الحمد لله
أرسل إليّ أحد الشباب تجميعًا لمشاهد سجدة شكر لأمهات وآباء الشباب أثناء نجاح أبنائهم وبناتهم في اختبارات إحدى مسابقات الغناء وهناك حالة سجد فيها الشاب نفسه شكرًا لله على نجاحه.
وهذا السلوك العفوي الذي تكرر ظهوره في مجالات الرياضة من قبل، والآن يبرز في مجال الفن والغناء، قد تناوله وحلَّله كتاب ونقاد ذوو خلفيات متنوعة بين مشجع أو مستهجن أو ساخر، غير أن الذي استوقف الفقير إلى الله هنا جوانب مختلفة أوجزها في نقاط محددة بطريقة الرسائل السريعة على النحو التالي:
. السجود هنا له دلالة عميقة متصلة بإيمان الإنسان وبارتباط معنى الفرح لديه بحقيقة محبته لله؛ فالإنسان لحظة الفرح الغامر يتذكر الأقرب إلى قلبه بغض النظر عن صلاح سبب الفرح أو فساده.
. السجود هنا بعيد عن التوظيف السياسي في معترك التنظيمات فهو سلوك فردي في مجال يندر فيه حضور الأطماع التنظيمية ذات الخلفية الدينية التي يمكن حضورها في المجالات الرياضية والسياسية وغيرها.
. في بيت الخطاب الشرعي نحن في حاجة إلى فهم ظاهرة تهافت الشباب على هذه النوعية من المسابقات على نحو أعمق من الاكتفاء بالحكم على مشروعيتها وما يكتنفها من المفاسد الشرعية. ففي هذه المسابقات تبرز آمال الشباب وآلامهم التي غابت عن استيعابنا لها على نحو من الوضوح يصعب تكرره في أماكن أخرى.
. علينا قبل السخرية أو التعنيف أن ندرك مدى عجزنا عن فهم خصوصية عمق محبة المؤمن غير المتكلفة لربه سبحانه وتعالى، ومدى استشعاره لحقيقة قربه إليه، وعظمة اطلاعه على مكنونات صدره، لندرك بذلك مدى عجزنا عن احترام هذه الخصوصية، ونحن بذلك أشد عجزًا عن مخاطبتها في سياق النصح والدعوة إلى الخير.
. الأمهات والآباء عاشوا معاناة مريرة من ألم العجز عن تقديم ما يرجونه لمستقبل أبنائهم في مرحلة مرت بها منطقتنا أصبح فيها العجز حالة مستبدة، وذاقوا الأمرّين من النظر إلى آمال أبنائهم وهي تتحطم على صخرة الواقع؛ لهذا تجد دموع الفرح والحزن تظهر هنا عند بروز بارقة أمل بنجاح الأبناء في تحقيق خطوة أرادوها. وهنا توجد مساحة لقاسم مشترك مع المناطق الأخرى من العالم في ظل بطش الرأسمالية المتوحشة بالشعوب.
. يوجد قاسم مشترك بين تفاعلات الشباب وانفعالاتهم هنا وبين ما يجري في ساحات القتال مع داعش وأخواتها أو ضدهم في صفوف البيشمركة والحشد الشعبي. وقبل الرفض المنفعل لهذا الطرح حبذا دراسة عمق المعاناة التي جعلت شابة كردية في مقتبل العمر تقوم بعملية انتحارية ضد داعش.
إنه “الأمل المذعور” في حالتي الوجد والفقد في منطقة تخلَّت عن آمال شبابها ولم تعد تعيش معاناتهم إلا في معترك التوظيف السياسي والاقتصادي والاجتماعي لهذه الآمال في سياقات انتهازية.
وحول مزيد من التوضيح لهذا الملمح سبقت كتابة خاطرة بعنوان: “مسابقة الغناء ومُقاتلو سيناء” نُشرت بتاريخ 21/4/1434 الموافق 3/3/2013.
وأخيرًا..
أُعيد ما سبق تكراره مرات في خواطر سابقة أن شبابنا لهم قلوب أدماها إهمالنا ذات مرة، وأدمتها اهتماماتنا الانتهازية مرات عديدة؛ وكل يوم يمر علينا ونحن في حالة “الاستخفاف اللاإرادي” بآمال الشباب وآلامهم سيجعل المنطقة تزداد غرقًا في مصائبها.
مرة أخرى:
تحقيق النجاح لكل خطوة في أي مجال مرتبط بالقدرة على فهم الشباب وحسن استيعاب صوابهم وخطئهم.
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}.
اللهم نوِّر بصائرنا ونَقِّ سرائرنا وألهمنا رشدنا يا وهّاب.