نفثة مصدور في خاطرة حول ما يجري من الأحداث
الحمد لله
وصف الأستاذ البنّا القتلة من أتباعه ممن ارتكبوا جريمة اغتيال النقراشي باشا بقوله:
“ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين”
وذلك على الرغم من أن محمود الصّباغ القيادي في التنظيم الخاص للإخوان في كتابه “حقيقة التنظيم الخاص” الذي قدم له المرشد مصطفى مشهور اعتبر هذه المقولة من باب “الحرب خدعة”، فلم نعد نميز الصادق من الكاذب في هذا التناقض.
ولأن الأمر دين؛ أقولها، بكل أسف، مستعدًا لدفع ثمنها الذي أعلم أنه سيكون غاليًا:
لقد آل أمر قيادة هذه الجماعة الكبيرة إلى أن صارت أسيرةَ نفوس مضطربة وعقليات سفيهة وقعت في شَرَك خيانة الشريعة والأوطان، من حيث تدري أو لا تدري لافتقارها المُدقِع إلى التعقل والأناة، وشجاعة نقد الذات، ومراجعة المواقف، وتصحيح المفاهيم، والتزام الصدق في القول والفعل، وبعد النظر في العواقب والمآلات.
يُحرّفون أحكام الشريعة ويُقلّبها علماؤهم وفق أهوائهم وتبعًا لمراد جماعتهم، ويُفتي سفهاؤهم بالقتل ويدعون عموم الناس إلى الاجتراء عليه دون ضوابط مهما تسبب في قتل الأبرياء وتفجير المنشآت العامة وقصفها بمن فيها، على النحو المطابق لخطة الردع التي ذكرها الأستاذ سيد قطب في كتابه الذي كتبه بعد الحكم عليه بالإعدام “لماذا أعدموني”، على درجة من دقة الالتزام بها وصلت إلى تطبيق نص تفجير محطات الكهرباء، هادمين بذلك كل الفوارق التي كانوا يتحدثون عنها بينهم وبين جماعات القتل من خوارج العصر أمثال القاعدة وداعش، وتجدهم لا يخجلون في دعوتهم إلى ذلك من تحريف مفهوم “المقاومة” عن مواجهة العدو الصهيوني المحتل إلى الاقتتال الداخلي.
وهم الذين لا يبالون بإشعال المنطقة وتحويلها إلى خراب ينعق في جنباته “بوم” القتل والهدم والترويع، ولم يردعهم حصول ذلك في بلد واحد، بل أعلنوا إصرارهم على مواصلة لهثهم خلف السلطة ولو كان الثمن هو ضياع الأمة وزيادة تمكن عدوها منها.
وقد سمعنا سفهاءهم وهم يستغيثون بدول “الغرب” من على منابر المساجد وقنوات التلفزة وساحات الاعتصام، ويطالبونها صراحة بقصف أوطاننا، ثم يبررون ذلك بإرادة التخلص من الحكام الظلمة العملاء لدول “الغرب”!
فهل رأيتم سفهًا كهذا؟
استغاثة بدول الغرب للتخلص من عملاء الغرب!
استغاثة بالداعم الأول للمحتل الصهيوني والمدافع الأكبر عنه تمهيدًا لفتح القدس وتحرير فلسطين!
وهم الذين كانوا يصرخون بتحريم الاستعانة بالكافر على المسلم ويعتبرون حكام دولنا “خونة” لاستعانتهم بالغرب وفتح أراضيهم لإقامة القواعد العسكرية الغربية فيها، فإذا بهم اليوم يستغيثون بهم بل ويعتمدون في انطلاقتهم على دولتين في إحداهما أكبر قاعدة “أمريكية” خارجية في العالم، وفي الأخرى قواعد حلف “الناتو”!
كما وجدناهم لا يبالون بالزج بشبابهم في محرقة مواجهة الدول، ثم يوظفون دماءهم الغالية التي تسيل في هذه المواجهات لزيادة الحشد، متاجرين بصور الضحايا، ومستخدمين خطاب النياحة “الكربلائية”، ليدخلوا الشباب في دوّامة المظلومية ومطحنة المواجهة المستمرة، انتقامًا لفقدهم السلطة، وهم يعلمون جيدًا أنهم لن يعودوا إليها إلا على جُثث العباد وأنقاض البلاد، لا قدّر الله.
كل هذه الجرائم تُرتكب باسم الدين وبالاستشهاد المحرِّف لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، كما يرتكب نظراؤهم في صفوف الشيعة جرائمهم باسم الله وآل بيت رسول الله.
ومن أقبح ما نسمع عن سفهائهم المتصدرين للخطاب الإسلامي تلفظهم بالعبارات الفاحشة البذيئة في وصف مخالفيهم، بل ونسبة هذا الفُحش إلى الكتاب والسنة، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا وحاشا لمقام المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من وصفهم؛ فأصبح السباب المقذع سِمةً للشباب المخدوع بهم يواجهون به من خالفهم، فتجد العبارات الفاحشة في صفحاتهم يسبقها تغريدة بآية وتتبعها أخرى بحديث أو استغفار، وكأن التناقض قد أصبح سِمة لهؤلاء القوم.
وإذا كان صدور لفظ بذيء لحظة الغضب أو الشعور بالضَيم من طبيعة الضعف البشري فإن إقراره ونسبته إلى الكتاب والسنة لا يمكن وصفه بغير “التلاعب بالدِّين”، وأي تلاعب بالدِّين أوضح من شرعنة الفُحش وأسلمة البذاءة؟!
ومن يعترض على هذه المنكرات أو ينصح بتجنّبها أو حتى يمتنع عن المشاركة فيها يجد الاتهامات الجاهزة، والأكاذيب المفبركة، والألقاب المؤطَّرة؛ تحاصره من كل جانب، فهو عالم السلطان، وعميل الأمريكان، وعبد الدينار والدرهم، وشريك الطغاة في إراقة الدم؛ ويُقلَّب سجل تاريخه ذات اليمين وذات الشمال بحثًا عن زلة أو خطأ أو ما يمكن تحريفه ليكون وصمة تقدح في عدالته، وتُشكك في أمانته، على الرغم من أنّه كان محلاً للثناء والتمجيد قبل الاختلاف على ما يعلمونه من تاريخه المزعوم؛ ويُسلَّط عليه سفهاء الأحلام في كل مكان دون مناقشة أو حوار، بل بالتهجم والسباب والشتائم المقذعة، والعمل على تشويش الدروس والمحاضرات عبر الهتافات والصراخ في المساجد والمحافل فلا يُسمع لقوله ولا يُستفاد من علمه؛ فإن لم يرعوِ فالتهديد بالقتل ثم الإقدام عليه ليكون عبرة لغيره ممن قد تدفعهم الغيرة على الحق إلى البيان والتوضيح، بالتلميح أو التصريح، فلا يجرؤ على مواجهتهم ذو عقل أو علم، ويبسطون أيديهم على ساحة الخطاب الإسلامي فلا يجد من لا يوافقهم الرأي فيها مكانًا. (وإذا خاصم فجر).
ففتحوا بهذه الأفعال المشينة الباب على مصراعيه لاجتراء متطرفي العلمانيين وسفهاء اللادينيين على النصوص الشرعية مع تمهيد اتساع دائرة المقبلين عليهم من الشباب الذي هاله حجم هذه الجرائم التي ترتكب باسم الجهاد في سبيل الله.
وأقولها بوضوح لا حياد فيه:
إنّ استهداف الجيش المصري، وهو الجيش العربي القوي المتبقي في المنطقة، ما هو إلا خدمة للكيان الصهيوني المحتل وإعمال لمقاصد الدول التي تداعت علينا كما تتداعى الأكَلَة إلى قصعتها، وإنّ المحرض عليه خائن لأُمّته معينٌ لعدوها ومستعينٌ به سواء قصد مرتكبوه ذلك واستوعبوه أم غاب عنهم وجهلوه.
وأخيرًا،
لا تعنيني مسألة الحكم ولا من يحكم ولا المنافسات السياسية على السلطة، ولا أراها سبيلا ناجعا في إصلاح الواقع، ولا أصطف مع فريق من السياسيين، ولا أُقرّ أي اعتداء على نفس بريئة من أي اتجاه كانت، غير أنّ الأمر دين، وما يجري لا يمكن تسميته سوى أنه “خيانة للدين وللأوطان”.
اللهم أيقظنا من سِنة الغفلة، وأدركنا قبل نفاد المهلة، وصَفِّ السرائر، ونوِّرِ البصائر، يا حق يا مبين.