1.إن فتوى البعض بجواز الكذب وشهادة الزور على المخالف أو المبتدع بل وحتى الكافر! بقصد اسقاطه وتشويه صورته أمر شنيع .. مخالف للشرع المصون .. مناقض لهدي النبي والسلف الصالح .. هادم للأخلاق التي بعث الرسول متمماً لمكارمها ..وهو تشويه للدين مسبب لزعزعة الثقة والإيمان في قلوب الجيل .. وقد عاب القرآن على أصحاب المكيالين في القيم فقال: “ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ”(آل عمران:75)، ولا يحتاج إلى الكذب في الخلاف العلمي سوى فاقد الحجة .. والله المستعان .
2.إن الحبيب صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يتنازل – قط – عن مبدأ في دعوته .. ولكنه قبل التنازل عن مكتسبات .. ففي عرض كفار مكة عليه الملك مقابل ترك الدعوة رفض .. وأعلنها مدوية: يَا عَمُّ، وَاَللَّهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللَّهُ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ، مَا تَرَكْتُهُ (سيرة ابن هشام،1/266).. بينما تنازل في صلح الحديبية عن مكتسبات من أجل نشر الحق .. و إن عكس هذه القاعدة محض ضرر وخطر .
3.تأملوا هذه المقالة بتأن .. فالأمر دين .. مع اليقين بصدق كثير ممن انفعلوا وكيف لا والأمر متعلق بالحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .. لكن الغيرة المحمودة هي ما ارتبط بالشرع واتصل بخلق من أرسله الله رحمة للعالمين .. وليس الأمر دفاعاً عن شخص بعينه ولكن حتى لا يكون خروج الناس من الدين أفواجاً على أيدينا أو في زماننا .. وحتى لا نعيد تصدير النسخة العربية من سلمان رشدي (Arab Rushdie) بعد النسخة العربية من محبوب العرب (Arab Idol) .. والنسخة العربية من مواهب العرب (Arab’s Got Talent) ..
المقالة
ذكرتني قصة حمزة كشغري، بسائق عجيب لمحته ذات يوم وقد أخذت سيارته تتمايل يمنةً ويسرى وكأنها راقصةً عرجاء في ملهى ليلي درجة ثالثة، ليقوم بحركة بهلوانية عجيبة اتجاه سائق آخر أثار غضبه فيما يبدو، فيقرر أن يخرج له إصبعه في حركة شهيرة أجزم أن كل الشعوب تمارسها بحرية، ومن ثمّ يبصق على وجهه ليمضي مع ضوء الإشارة الأخضر الذي أعلن انتهاء المعركة، لكن صاحبنا أبى أن تنتهي اللقطة بلا مشهد ختامي جلل يليق بالحدث!!
فجأة، إذ بتلك اليد الآثمة تُلقى من النافذة بعقب سيجارة محتضر، وكيس نفايات مفجع.. وسط الشارع، ووسط ذهولي الذي كاد أن يصيبني بجلطة نسيت أن أخبركم ثمة أمرٍ بسيط، السيارة المجنونة وقائدها المنحل كانت ترفع عبارة جميلة تقول” كله إلا رسول الله” وقد كست الزجاج الخلفي بأكمله، في إشارة إلى رفض صاحبها لكل من تسول له نفسه أن يمس شخص النبي الكريم .
السؤال: ماذا بقي من أخلاق النبوة ومن صفات خير البشر ومن سننه لم تُنتهك في تلك الدقائق المعدودة.. وما خفي كان أعظم؟ إن كناّ في مثل تلك التفاصيل الصغيرة وأخلاقنا الركيكة نبتعد عنه وعن سلوكه الشريف ألف سنةٍ ضوئية. فما بالكم بفسادٍ استشرى ونهضةٍ مُعطّلة، وأمانةٍ مستباحة و تعاملات رديئة في زمن العتمة والتيه؟؟
لذلك فكل من يصرخ أن حب المصطفى في قلبه وأنه لن يسمح أن يعتدي كائن من كان على شخص سيد البشر ، نقول له لا تزايد، بل اثبت… في قضية حمزة نحن فشلنا في أن نحاور عقلاً تائهاً، وأن نناقش بالعقل والمنطق، استعصى علينا الأمر ولم نتبع هدي قدوتنا، والذي كان فيه أربع طبائع لم تكتمل في بشر كما اكتملت فيه وكانت أحد أسرار عظمته: العبادة، والتفكير والتأمل، وطبيعة التعبير الجميل، وطبيعة العمل، كما ذكرها العقّاد في كتابه “عبقريات محمد”.
وكأنه يقول لنا أن العبادة عمل ينبع من إيمانٍ حي يحركه عقلٌ حر.. كيف بعد كل هذا لا نحاور قلباً يافعاً ضلّ الطريق وعقلاً أنحرف به المسار؟ كيف لا نأخذ بيد التائب بل ونُصر كالعادة أن نُقاسم رب العزة والجلال مهامه ونحكم على النوايا؟
نبينا الكريم كان يؤسس لمدرسة فكرية تقول أن الإيمان ركنه القويم التفكير، فكان صلوات الله وسلامه عليه يقول:” تفكروا في آلاء الله، ولا تفكروا في الله” ..ويذكر العقّاد في نفس المصدر: “كانت عبادته خلواً بالنفس إلى حين. فلا انقطاع عن الحس للعبادة كل الانقطاع، ولا انقطاع عن الحس للتفكير كل الانقطاع، وإنما هو تفكير من ينتظره العمل، وليس بتفكير من ترك العمل ليوغل في الفروض “.
والخلاصة التي يصل إليها العقّاد في هذا الباب” أن التفكير في حقائق الوجود هو طريق الوصول إلى الله، ولا طريق غيره للحواس ولا للعقل ولا للبديهة” هذا هو ديننا ، وذلك هو نبينا، فكيف نرفض من يُجادلنا ونلفظ من يختلف معنا؟! كيف نرتاب ونتخبط كمن به مس حين نجد من يخرج عن الركب ويُعلن تخبطه وهذيانه على الملأ، رغم يقيننا بصواب معتقداتنا وغيبياتنا؟!
لماذا تزعجنا صرخات المتألمين، ولماذا لا نستشعر أنّات العائدين؟ بيننا من قال في سيد البشر أكثر مما قاله حمزة كشغري بألف مرة، فعلاً لا مجرد كلمات واهية لشابٍ يتلعثم في مقتبل العمر، لكن لأننا نجهل فقه النصح، ولم نعتد أن نحاور التائهين ولا الحائرين، والتائبين.. ولأننا نمارس هواية دهس الشباب بحرفةٍ وإتقان، فقد صنعنا من حمزةٍ مجرم تطارده العدالة الإلهية، لم نستمع لأنينه، ولا توسلات توبته، كذبنا دموعه وأصدرنا أحكامنا بعجرفة مخزية.
عبارة ” إلا رسول الله” المنتشرة حولنا، لا تصدقوها كثيراً!! “كله إلا رسول الله” يجب أن تكون فعلاً وإنجازاً، وتتبعاً لخطاه الشريفة، ليتنا نُقر أن شعار ” كله إلا رسول الله” كذبة في حياتنا وقد تذيلّنا قائمة الأمم الأكثر فساداً والأكثر محسوبية، والأردأ في معايير الجودة وتأدية العمل!! لكنها عادتنا العربية الأصيلة لا نأخذ من الأمور إلا ظاهرها، وأيسرها .
“نبي الله محمد كان يصفه الأقدمون ” بحي القلب” أمّا المحدثون فيصفونه ” بالحركة والحيوية” ” – العقاد، عبقرية محمد. لو كان بيننا اليوم، لعبس في وجوهنا، لغلظتنا ولغلونا ولنفاقنا ولعانق حمزة فرحاً بتوبته.. نحلم باليوم الذي تتعدى فيه صرخاتنا حناجرنا الخادعة، نحلم بيومٍ يكون فيه الصدق بلا أجندة تصفية حسابات مقيتةٍ ومزايدات رخيصة، وبعد أليم عن منهج النبوة الحقيقي…نحلم باليوم الذي يكون فيه “كله إلا رسول الله” قولاً وفعلاً واقتداءً وليس زخرفةً وافتراء ولوحة صماء على عربةٍ طائشة لا تقدر قيمة من حولها وقد ضلت الطريق.
صلوا على سيد البشر الذي كان يدعو ربه”:”اللَّهُمَّ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِى عَلَى دِينِكَ ” فسئل عنها فقال:”مَا مِنْ خَلْقِ اللهِ مِنْ بَنِى ادَمَ مِنْ بَشَرٍ إِلاَّ وَقَلْبُهُ بَيْنَ إِصْبُعَيْنِ مِنْ اصَابِعِ اللهِ، فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ ازَاغَهُ”( مسند أحمد،6/294)
4.ليس التطرف الديني وحده هو المشكلة .. ولكنها تفاعل بين التطرف الليبرالي والتطرف الديني .. وكل منهما يغذي الآخر ..والضحية هم شباب الأمة ..فما أحوجنا إلى إعمال الحسبة الداخلية من قبل عقلاء كل شريحة .. كي يجد صوت الاعتدال طريقه إلى الناس وتستنشق المسامع والقلوب شذا الحق والجمال والعدل .. من هبوب نسمات الرحمة .. يا أرحم الراحمين ارحمنا .
5.أخطأ دكتور في حق معاوية فتفجر التويتر سباً… وأخطأ دكتور في حق النبي على نفس القناة فدافع القوم عنه.. غفرانك .