عندما تضيق الصدور وتغيب الحكمة ويصبح العامّة يفتون في الشؤون الدقيقة الحساسة تضيع الأمة تحت وطأة المزايدة.. هذا ما أصابنا بذهول ونحن نتابع الموقف من زيارة المسجد الأقصى التي قام بها كل من الحبيب الجفري، الداعية اليمني المشهور ومفتي الديار المصرية وبعض الشخصيات الثقافية والعلمية.
عندما تضيق الصدور وتغيب الحكمة ويصبح العامّة يفتون في الشؤون الدقيقة الحساسة تضيع الأمة تحت وطأة المزايدة.. هذا ما أصابنا بذهول ونحن نتابع الموقف من زيارة المسجد الأقصى التي قام بها كل من الحبيب الجفري، الداعية اليمني المشهور ومفتي الديار المصرية وبعض الشخصيات الثقافية والعلمية.
سمعنا كلاماً كثيراً من قادة أحزاب ومن شخصيات سياسية، طالب بعضها بطرد الرجلين من مركزيهما بل ذهب البعض إلى طردهما من رحمة الله.. وهنا نريد أن نتساءل بهدوء شديد.. أين ذهب الشيخ الجفري ومفتي مصر؟؟، كيف يمكن فهم أن زيارة المسجد الأقصى والقدس الشريف تطبيع مع إسرائيل، في حين تعمل إسرائيل ليل نهار على تهويد القدس والمسجد الأقصى وإنهاء معالمهما من الوجود؟؟ أم نحن لا نصدق ما نسمع ونرى من ممارسات إسرائيلية لم تستطع الدول الغربية السكوت عنها لهول حجمها ضد القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية؟، فهل تقبل إسرائيل بأن تكون القدس محجاً للمسلمين والعرب، تأكيداً منهم على عروبة وإسلامية القدس ومقدساتها لكي يطّلعوا على حجم التخريب الإسرائيلي للمدينة المقدسة، ويتزودون بذلك في دعوتهم لشعوبهم وحكوماتهم للضغط الملائم لإيقاف المخططات الإسرائيلية ؟؟
أبدا لا يمكن تخيل ذلك، إذن كيف تقبل إسرائيل بمثل هذه الزيارات؟؟ إن إسرائيل لا تقبل بمثل هذه الزيارات إلا ضمن رؤية محددة، وهي إدراكها بأن ضوضاء كبيرة ستثار في وجه الزائرين وأن تهويشاً يصل إلى حد التخوين والعمالة والتفريط والتطبيع سيطارد كل من حاول الزيارة، فتكون إسرائيل بذلك قد حققت هدفها وبطريقة أكثر نجاعة.. وإنني على يقين أن إسرائيل ستتخذ موقفاً رافضاً للزيارة إذا وجدت أن زحف المسلمين والعرب يزداد بعد أن يكونوا كسروا هيبة الدعوات المتشنجة. إنني استغرب كيف يتناقض قادة أحزاب إسلامية في مصر، بمطالبتهم طرد مفتي مصر لزيارته القدس، فيما لم يترددوا في الإعلان عن التزامهم باتفاقيات كامب ديفيد، ولم يعملوا في البرلمان على منع التطبيع أو تجريم الزيارة.. مع أن الزيارة لا تعني بالضرورة الاعتراف بكامب ديفيد ولم تحتو الزيارة لقاء أي من الإسرائيليين..
ما هذا العقم في التفكير والفوضى في القياس، إذ كيف نقبل أن نسكت عن وجود قواعد الأمريكان الذين دمروا العراق، ويعيثون الفساد في بلاد المسلمين وهم تحت نظرنا ودويهم في مسامعنا، ونسكت ونحن نرى أمير البلاد ورئيس وزرائها يزورون إسرائيل ويتفسحون على شواطئ فلسطين المغتصبة ويستقبلون الإسرائيليين بالفرح والحبور.. كيف نسكت أمام هذا كله وتنتفخ أوداجنا وتحمرّ أنوفنا وتبح أصواتنا ضد زيارة عالم أو مفكر أو أديب أو داعية للمسجد الأقصى لعله يتيقن أكثر مما يحيق بالأرض المباركة.
عندما يصبح الدين سلاحا بيد الهوى والأحكام النفسية المنقوصة، يصبح من الضرورة الصراخ في وجه الفتاوى التي لا تستند إلى دين أو مصلحة. أحياناً كثيرة يتخيل الشخص أو الجماعة أنهم أحرص على دين الله من الله، أو أنهم أكثر حرصاً على كرامة المسلمين ومستقبلهم من رسول الله.. ألم يثر بعض المسلمين في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم عندما وقع صلح الحديبية؟، إنه التنطع الذي للنفس حظ فيه أو للهوى أو لقلة الحكمة.. إن رسول الله زار مكة والكعبة المشرفة وهي في سلطان قادة قريش المشركين الذين طردوه وأصحابه، وطاف رسول الله والمسلمون بالكعبة فيما كانت تعج بالأصنام رمز الشرك القرشي..
من يفتي للمفتي؟ إن المسألة لا تحتاج فتوى.. فكل من وجد سبيلاً للوصول إلى المسجد الأقصى، فعليه أن لا يتردد في شد الرحال وإن استطاع المكوث هناك فليمكث ما استطاع إلى ذلك سبيلا.. وإن جاءه خبر رفض عبادته هذه من شخص من هنا أو هناك فليسأل عن مواقفه من جيوش الصليبيين واتفاقيات المذلة التي تحيق بالأمة.. إن من يزور المسجد الأقصى، وتلك الربوع المباركة لا يقوم بذلك تلبية لنداء زعيم أو مسؤول، إنما تلبية لنداء الرسول الأكرم محمد بن عبد الله عليه وعلى آله صلوات الله وسلامه.