في مصلى مؤسسة طابة للدراسات الإسلامية؛ تحدث الحبيب علي الجفري بعد صلاة ظهر الخميس 15 جمادى الأولى 1431هـ الموافق 29/4/2010 حول معاني قوله تعالى:” لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ”(يس:70)
ذكر الحبيب أن من مقتضى الآية الكريمة أن الذين لم يستجيبوا للنذارة ليسوا بأحياء بالمعنى الحقيقي وإن كانت فيهم الحياة الجسدية، وأن أول ما يبدو في النذارة معنى الترهيب الجلالي، مع أن وجه الجمال فيها يحمل المحبة والرحمة بالعباد، فترى في ترهيب وتعنيف الأم الحنون لطفلها وجهاً في باطنه الشفقة والمحبة، والمولى الكريم يصف سيدنا محمداً بشدة حرصه على العباد:”عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ”(التوبة:128).
وهذه الحياة المذكورة في الآية الكريمة الأولى لها درجات منها:
حياة النفس: التي مهما أخطأت وتجاوزت تعود لتلوم صاحبها وتعنفه، مما يعني أنها لا تزال حية، والذي يسمى بمفهوم اليوم تأنيب الضمير، وحتى الكافر تلومه نفسه الحية لتقوده نحو أخلاقيات الفطرة السوية وهو الذي تتوجه إليه النذارة.
حياة العقل: وصاحب هذه الحياة لا يغطي فيها هواه على عقله فيحجبه عن إدراك العقل السوي ومشاهدة الحق، “غطى هواكِ وما ألقى على بصري”، ولهذا قال الله تعالى في كتابه الكريم: “لهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا”(الأعراف:179) أي أنها كانت معطلة عن عملها الحقيقي لأنها لم تكن حية. وهذا المعنى من الحياة يكون للمسلم والكافر الذي لم يصل الحق إليه بعد، وهو الذي تتوجه إليه النذارة.
حياة القلب: حيث من سمات صاحب القلب الحي الانكسار والمراقبة، وأصحاب هذه القلوب الحية يحيي الله بهم قلوباً حيثما توجهوا وحلوا، بل حتى وفاتهم حياة، كما حصل في وفاة شيخنا الإمام الحبيب عبد القادر بن أحمد السقاف، فتاب برؤية جنازته أناس، وتأثر بخبر الفقد آخرون عادوا لرشدهم.
فكما نقل القرطبي في تفسيره عن المدائني عن بعض العلماء قال: كان رجل من العرب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مسرفاً على نفسه لم يكن يتحرج ،فلما أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم لبس الصوف ورجع عما كان عليه، وأظهر الدين والنسك. فقيل له: لو فعلت هذا والنبي صلى الله عليه وسلم حي لفرح بك. قال: كان لي أمانان، فمضى واحد وبقي الآخر، قال الله تبارك وتعالى:”وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ” فهذا أمان، والثاني:”وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ”(الأنفال:33 تفسير القرطبي 7/349)، وحياة القلب تلك لا تكون إلا للمؤمن الموحد.
حياة الروح : وحياة القلب هي الباب لحياة الروح “فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً”(النحل:97) حتى يرد على المولى سبحانه وتعالى لا بكثرة أعمال ولا مال،” يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ”(الشعراء:88-89) فاللهم حققنا بذلك يا كريم.