وصل الحبيب علي بن عبدالرحمن الجفري إلى جمهورية الهند مساء الخميس في رحلة دعوية، ولحضور الملتقى الثاني لكوكبة من العلماء والدعاة من داخل الهند والعالم الاسلامي في مدينة كالكوت بميليبار الهند.
وقد ألقى الحبيب علي في اليوم التالي خطبة الجمعة تُرجمت إلى اللغة الهندية، تحدث فيها باستفاضة عن أهمية المحبة لله ولرسوله وأنها أساس التقوى وركيزة العمل في أي مجال من المجالات، كما خرج بعدها الحبيب في ضيافة الشيخ أبوبكر أحمد مدعواً على مائدة الغداء إلى جانب عدد من الضيوف الأفاضل.
وتوجه الحبيب علي بعد صلاة المغرب إلى مدينة النور وألقى محاضرة هامة حول الدعوة والداعي ووسائل التعامل مع المستجدات والأحداث المعاصرة، خاصة الأحداث التي طرأت مؤخراً على الساحة في العديد من الدول العربية والإسلامية، حيث ألقيت المحاضرة ضمن حفل بدأ افتتاحه بآيات من الذكر الحكيم، أعقبه نشيد من كلام الصالحين بصوت مجموعة من طلاب كلية النور بجامعة الثقافة السنية ابتدأت أبياتها بالبيت القائل: (دعوني فالذي أهوى دعاني ** سقاني الكأس فادي من سقاني)، بعدها ألقى الشيخ عبدالحكيم كلمة تطرق فيها إلى الحديث عن الدعوة إلى الله وطرقها السليمة، مشيراً إلى أن الدعاة هم سفراء الرسل في تبليغ الدعوة وإيصالها إلى الناس عامة، وأن هذا الملتقى يعد حافزاً للعلماء لبناء جيل من الدعاة وطلبة العلم ونقطة تحول لحياة ذلك الجيل إلى الأفضل بزيادة الإيمان واليقين والتقرب إلى الله ورسوله، مؤكداً على أن الدعوة يجب أن لا تكتفي بالحديث والتبليغ فقط، وإنما تكون قولاً وعملاً وسلوكاً فاضلاً يتحلى به الداعية إلى الله، واصفاً هذا الملتقى بنسخته الثانية الذي تقيمه جامعتي الهند الإسلامية والثقافة السنية في الهند بأنه نسخة من ملتقى تريم في دار المصطفى للدراسات الإسلامية بقيادة الحبيب العلامة عمر بن محمد بن حفيظ.
وأضاف الشيخ عبدالحكيم قائلاً: (أن الدين سيبلغ كل مكان من هذه الأرض وقد تولى الله تعالى ذلك، فلا يحتاج إلى أحد من خلقه إنما الفضل لنا أن نكون لبنة أو ركن في ذلك، فهي نعمة من الله علينا، كما يجب علينا أن نتصف بالمحبة والتعاون والبعد عن التباغض والقدرة على إدراك الواقع الذي نعيش فيه والعيش في حب وسلام ووئام).
وقد حضر هذه المأدبة جمع من الدعاة والعلماء أهمهم الحبيب علي الجفري، الشيخ عون القدومي، الشيخ رياض بازو إلى جانب شيخين من تركيا والشيخ الأزهري من بريطانيا والشيخ محمد عزام من الاْردن والشيخ محمود من الصومال.
وقد شكر الحبيب علي الجفري ودعا للشيخ أبي بكر وابنه عبدالحكيم وكل من سعى وشارك في إقامة الملتقى وإنجاحه وإتاحة الوقت للعلماء والدعاة الأفاضل للالتقاء والتذاكر حول حال الدعوة والدعاة في وقتنا الحاضر، كما عبّر الحبيب الجفري عن سعادته بالمحاور الثلاثة التي تم تذاكرها، والتي تضمن المحور الأول منها كنه الدعوة وترقية القلوب في الاتصال بالله وتقويم المعوج من فطرة الإنسان كي يتأهل للسعادة الكبرى، والدعوة بالرحمة والموعظة الحسنة وإلا تحولت إلى دعوى، كما تحدث المحور في مضمونه عن الدعوة والداعي وارتباطهما بالعلم الذي في السطور والصدور والسلوك والحال والثبات على ملة الحق والطريق المبين، دون حقد على المدعوين، إذ أن الدعوة هي محل فتنة واختبارات للداعية في كلامه وأفعاله وسلوكه وأخلاقه.
وتضمن المحور الثاني موضوع الداعية وواجباته وطرق الدعوة إلى الله من خلال النصيحة والكلمة والموعظة الحسنة والأساليب الربانية التي حثنا عليها أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم، فيما تضمن المحور الثالث من التذاكر على موضوع تعامل الداعية مع متغيرات الزمان وصلة الداعية بعصره ومجتمعه الحاضر، والتشديد على عدم الحديث عن شيء حتى يتم التبين من الأحداث والتثبت من المعلومة، خاصة وأننا في ضل الفتن والصراعات المتأججة، وذلك بعد عرضها على شرع الله وسنة رسوله الكريم لتتجنب تلوث الأحداث في الواقع المكسوة بظلمة البغض للذوات، والتي حذر فيها الحبيب علي الجفري من فتنة التطرف حتى من ناحية المناطق لما لها من تأثير سلبي كبير، مستشهداً بقصة الشيخ محمود أفندي في تركيا الذي استطاع بحكمته وصبره في الدعوة الاستمرار بهدوء وحكمة ورويّة في تربية التلاميذ رغم منعه من عدة أشياء.
وفي يوم السبت كان للحبيب علي الجفري برنامجه الممتلئ بالفعاليات والنشاطات الدعوية المتنوعة، حيث زار الحبيب مركز مدينة المعرفة واستقبله الطلبة الصغار السن الدارسين في المركز مع حشد من الضيوف وتم الترحيب بهم من خلال قرع الدفوف وإنشاد أنشودة (طلع البدر علينا)، ثم تلا الشيخ رياض بازو آيات من القرآن الكريم ليفسح المجال بعدها للحبيب علي الجفري لإلقاء كلمة بعد أن أخذ الحبيب برأي الشيخ أبو بكر في أن تكون المحاضرة على قسمين أحدهما موجه لطلاب المدرسة والآخر لطلاب الجامعة، حيث هنأ الحبيب في بدايتها الحاضرين لطلبهم العلم وهو الطريق الذي تسبح لهم الملائكة وتذكرهم من خلاله، مشيراً إلى أن الله تعالى قد اصطفى هذه الكوكبة من الطلاب للدراسة وطلب العلم لتكون من ورثة النبي صلى الله عليه وسلم، فالأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً بل ورثوا العلم.
وتطرق الحبيب أيضاً في كلمته التي ترجمها الشيخ عبدالحكيم إلى اللغة الهندية تطرق إلى صفات الوارث الذي يجب أن يكون صادقاً في إنسانيته نقياً في سريرته، ليطبع على قلبه الحسن والصدق والجمال وينعكس ذلك في أخلاقه وتعاملاته اليومية مع غيره، ويكون قدوة حسنة لكل طلابه ومريديه ليعيش نقياً صافياً في حياته، مشيراً إلى ضعف أثر العديد من طلاب العلم اليوم رغم كثرتهم في العالم الإسلامي والذي قد يكون بسبب الاعتناء بصلاح النية وصدق المعاملة بينهم وبين الناس، مشدداً على أهمية الاحتفاظ بالوقت واستغلاله الاستغلال الأمثل في ما ينفع المسلم، لأن الوقت هو رأس مال طالب العلم.
وأوصى الحبيب الطلبة بقراءة آداب طلب العلم والسلوك في كتب الغزالي والمحاسبي وغيرها، وهي النقطة الأهم للازدياد في طلب العلم، كما ركز الحبيب على التحديات المتزايدة والمشكلات والأحداث المستجدة بكثرة في عصرنا الحاضر رغم وجود طلبة العلم، منوهاً إلى كثرة الفتن ودورها الفتاك في عدد من البلدان العربية والإسلامية كسوريا والصومال وأفغانستان وغيرها بسبب استجابة بعضهم للتطرف والتأجيج بين الأفراد أو الجماعات، مؤكداً بأن صمام الأمان لهذه الأمور هي سلامة القلب وتقوى الله عز وجل واتباع شريعته السمحة التي أتى بها المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وتفاعل الحبيب علي في محاضرته مع الطلاب والحاضرين بتطرقه إلى العديد من المواضيع الدعوية الهامة، كما تفاعل معهم أيضاً عبر طريقة السؤال والجواب الذي أعطى جواً من الانتباه والجذب بينه وبين المتلقين، وختم حديثه بقصة تدل على الصدق والمراقبة لله تعالى وهي قصة الشيخ الذي كان يحب كل الطلاب لكنه يقدم ويفضل طالب واحد فقط على غيره، فلما أحس منهم الغيرة أراد أن يريهم سبب ذلك، حيث طلب من كل طالب أن يذبح طيراً دون أن يراه أي أحد، فجاء الجميع بطيور مذبوحة وجاهزة ما عدا الطالب المفضل، فقد جاء حزين ولم يذبح الطير، فسأله شيخه لما لم تذبح الطير؟ فقال: لأني لم أجد مكاناً لا يراني الله فيه فلم أجد.
من جانبه تحدث كذلك الشيخ رياض بازو وأكد على أن الحبيب علي الجفري قد أشمل وأجزل في الكلام المفيد، وارداً قصة الإمام الشافعي وقوة حفظه الذي كان من أول مرة، وهذه الميزة أعطاه الله إياها بسبب صدقه وتقواه لله تعالى، منوهاً بأن الإمام الشافعي حينما وجد صعوبة في الحفظ في يوم من الأيام ذهب واشتكى لشيخه سبب تلك الصعوبة، فسأله شيخه عن الذنب، فقال: أنه نظر إلى امرأة مرّت فرأى عقبيها، وقد جسد ذلك المشهد في أبيات من شعره بقوله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي * فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور * ونور الله لا يؤتى لعاصي
بعدها أورد الشيخ رياض قصة أخرى وهي قصة الحاكم الذي يعذب الناس برميهم إلى الأسد، فقال له عالم: اتق الله، فقال الحاكم: ارموه للأسد فحرسه الأسد، مستشهداً بتلك القصص أنه من خاف من الله خاف منه كل شيء.
وزار الحبيب علي الجفري قسم النساء بمركز الهداية، وذلك في زيارة عاجلة لضيق الوقت، بمناسبة تخريج عدد من الخريجات اللواتي درسن العلوم الشرعية إلى جانب عدد من العلوم العصرية واللغة الانجليزية لمدة سنتين، حيث دخل على القائمات والمدرسات وبارك للمتخرجات بالدعاء والتوفيق لهن، ثم زار كذلك مراكز الأيتام ومركز لتعليم العلوم العصرية مثل الطب والهندسة مع خلفيتهم الشرعية من الجامعة الثقافية.
وقام الحبيب علي الجفري بتسجيل كلمة مولد عصر السبت، ليتم بثها في يوم الأحد التالي وذلك لعدم حضوره بسبب أمر طارئ، حيث يتصف هذا المولد بكثرة حاضريه الواسعة والذي يقام في مدينة ساحلية يرتادها الكثير من المسلمين الذين يقدرون بمئات الآلاف بهدف حضور المولد في ذلك اليوم، كما عقد مجموعة من الاعلاميين التابعين للمراكز جلسة مع الحبيب وسألوه بعض الأسئلة عصر يوم السبت، أما بعد المغرب فقد كان هناك مجلس كبير بحضور عدد من أهل بيت النبي الموجودين في كالكوت والكثير من طلاب العلم والمحبين، حيث ألقى الحبيب علي كلمة فيه بعد أن طلبها منه الشيخ أبو بكر أشار فيها إلى أن صفة أهل البيت هي شرف لكنها في الجهة الاخرى تكليف وأمان وثقة ومسؤولية تحتم عليهم الالتزام بالخط النبوي النقي الذي رسمه لهم المصطفى صلى الله عليه وسلم، حاثاً كل بيت أن يحاول تفريغ شخص واحد منه لطلب العلم، وأن يكون أذكاهم ليصبح عالماً يحمل النور ويقوم بواجبه في نشر النور والرحمة والعلم والدعوة والسلوك إلى العالم على أتم وجه وأكمل عمل، مشدداً على وجوب أن يكون الداعية خلوقاً متأدباً خافضاً جناحه للناس وعدم الاستكبار، ليكسب القلوب ويهديها إلى طريق الحق والصواب والهدى، وهو الزاد الحقيقي الذي يجب على الداعية التقرب به إلى الله ولا قيمة للمال أو السياسة أمام هذا العمل الرباني النقي.