شارك الحبيب علي زين العابدين الجفري بكلمة ودعاء الختام في الاحتفالية التي أقامتها الهيئة العامة للشئون الإسلامية والأوقاف بمناسبة الهجرة النبوية الشريفة على صاحبها أزكى الصلاة والسلام بحضور كريم والكلمة الرئيسة من سماحة العلامة الأستاذ الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية،وذلك على المسرح الوطني بأبو ظبي صبيحة الأربعاء 29 من ذي الحجة 1430هـ الموافق 16 ديسمبر/كانون أول 2009.
بدأ الحبيب كلمته بالإشارة إلى أن مضي عام واستقبال آخر إنما هو من معاني الهجرة لأن عمر الإنسان ذاته هجرة، والحياة التي نعيشها مجرد محطة من محطاتها ابتدأت بخطاب الله عز وجل: ألست بربكم فشهدنا بذلك،ثم أودعنا عز وجل في صلب أبينا آدم عليه السلام فبدأت هجرتنا من صلب إلى رحم في حيوات كانت الروح فيها هي القائدة حتى أذن الله لنا بالهجرة إلى الحياة التي نعيشها بالجسد عند مغيب كل شمس وطلوع أخرى إلى ساعة الارتحال في هجرات متعددة نهايتها إلى النعيم المقيم أو الشقاء الدائم.
والمفارقة في هذا السياق تقوم على معنى صلة كل واحد منا بحقيقة الهجرة،إذ أنها سير إلى الله عز وجل وأن المهاجر من هجر ما نهى الله عنه،فسر الهجرة في السير إلى الله تعالى، على أن هجرة الرسول عليه وآله الصلاة والسلام كانت مرتبطة بمعنى الإيواء إلى الله عز وجل،والتي أوجز الحبيب علي الجفري من دلالاتها ثلاثة ملامح أساسية بعد الكلمة الجامعة لفضيلة مفتي الديار المصرية .
فالملمح الأول في مفهوم الهجرة والجامع لدروسها وعبرها هو طلب الحق،وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ترك أحب البلاد إلى قلبه ومحط إلفه إلى أرض كانت وبيئة قبل أن تشرق على رباها أنوار طلعته الشريفة طلباً لله تعالى،وأن هذا الطلب للحق في الهجرة جعله عليه الصلاة والسلام يأخذ بالأسباب التي تعبدنا الله تعالى بالقيام بها في الوقت الذي كان قلبه الشريف معصوماً عن الاعتماد على الأسباب متصلاً بالمسبب سبحانه وتعالى.
والملمح الثاني الذي أشار إليه فضيلته في توفيق الله تعالى لهذا البلد المبارك إلى إحياء وتعظيم هذه الشعيرة ألا وهي إظهار السرور والفرح بفضل الله تعالى علينا بمقدم عام هجري جديد، في زمان بدأت الدول والأمم والثقافات تفقد هويتها، وفي عالم مَنْ ليست له خصوصية قابلة للتعامل على وصف الشراكة مع الآخر ضاعت هويته وتماهى وجوده، وذلك في إشارة من فضيلته إلى تلك المفارقة العجيبة بين صخب احتفالات الآخرين المرتبطة بمولد السيد المسيح عليه وعلى نبينا السلام (برغم غيرتنا على السيد المسيح والتحفظ عما قد ترتكب في الاحتفال من موبقات ولكن بالتأكيد على المعنى الذي يحتفلون به وارتباطه بالمناسبة) وبين حال احتفالات العالم الإسلامي بأيام الله تعالى.
والملمح الأخير كان تثنية على وصف سماحة مفتي الديار المصرية لنزول سيدنا آدم عليه السلام إلى الأرض بالهجرة،إذ لا يزال كثير من الناس ينظرون إليها على أنها كانت ثمرة خطيئة تدفع البشرية جمعاء ثمنها إلى يوم القيامة،وهو أمر غير صحيح من ناحية،إذ كان المقصد من خلق سيدنا آدم عليه السلام هو خلافة الله سبحانه في الأرض بعمارتها،وأن سيدنا آدم عليه السلام من ناحية أخرى قد ابتدأ مهمته تلك على وصف التواضع والانكسار لله عز وجل،فمن أراد أن يؤدي مهمة في الأرض يشرف بها عند الله عز وجل يجب أن يبدأ مهمته تلك على وصف التواضع والانكسار.
لأن حقائق الخلافة عن الله تعالى ترتبط بأن يعرف الإنسان معنى الأدب والتواضع،فصاحب الكبر يخرب الأرض وصاحب التواضع يرتقي بالأرض،“وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا” في عصر نرى كيف يجني الإنسان ويلات سيره ومسيرته في الأرض متكبراً غير مبال بالمسئولية ولا عابئ بحقائق خلافة الله تعالى في أرضه.
وقبل دعاء الختام أشار الحبيب على الجفري إلى أن وقوف المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة مع النجاشي في حربه إنما كان عرفاناً منهم بجميل الوفادة والإيواء من ناحية، ولأنها كانت وقوفاً مع الحق من ناحية أخرى،فلا يشارك المسلم في عدوان ولا يناصر أحداً على ظلم أبداً.