وصل الحبيب علي الجفري بحمد الله تعالى وسلامته إلى العاصمة الأردنية عمان للمشاركة في المؤتمر السادس عشر الذي تعقده مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي تحت عنوان “مشروع دولة اسلامية حديثة قابلة للاستمرار ومستدامة”، وكان في استقباله أ.د. منور المهيد المدير العام لمؤسسة آل البيت.
الافتتاح :
وقد افتتح اليوم الأول بآي من الذكر الحكيم، فكلمة مدير عام مؤسسة آل البيت الملكية د. منور المهيد، ثم كلمة أ د. عبدالعزيز التويجري المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة نيابة عن أعضاء أكاديمية آل البيت، ثم ألقى سمو الأمير غازي بن محمد كبير مستشاري جلالة الملك للشؤون الدينية والثقافية والمبعوث الشخصي لجلالة ملك الأردن كلمته مؤكداً على أن موضوع الأكثرية والإجماع والفرق بينهما لو تم حل عقدته لأمكن لنا كأمة أن نتجنب نصف مشاكل آخر ثلاثة أعوام، وأن الإجماع هو قاعدة الركنين الأساسيين لأي نظام شرعي في الإسلام وهما البيعة والشورى، مشيراً إلى أنه في الغرب وفي الأنظمة الديمقراطية فإن الدولة تقوم وتنشأ بالإجماع ثم تتبدل الحكومات والحكم بالأغلبية”.
أعقب ذلك تسليم شهادة عضو عامل بمؤسسة آل البيت الملكية لفضيلة الحبيب عمر بن حفيظ واختتم فضيلة مفتي الديار المصرية السابق أ. د. علي جمعة فعاليات الافتتاح بالدعاء والفاتحة.
جلسات المؤتمر :
في أولى جلسات المؤتمر التي أدارها سماحة الشيخ عبدالله بن بيه طرح سماحة الشيخ محمد حسين مفتي القدس والديار الفلسطينية ورقة بعنوان حقوق وواجبات غير المسلمين في الدول الإسلامية، و طرح أ.د هشام نشابة ورقة بعنوان: “أية ديمقراطية في العالم الإسلامي”، وورقة أ.د. عزالدين عمرو موسى بعنوان: “منظمات المجتمع المدني والفكر الإسلامي”.
في اليوم الثاني ضمت الجلسة الثانية التي ترأسها فضيلة العلامة مفتي الديار المصرية السابق أ.د. علي جمعة كلا من: أ.د محمد المختار ولد أباه الذي قدم ورقة تحت عنوان: “مفاهيم الدولة الحديثة ومفهوم الدولة الإسلامية”، وفضيلة الحبيب عمر بن حفيظ وقد كان بحثه بعنوان: “حقوق الإنسان في الإسلام”، وقدم الحبيب علي الجفري ورقة بعنوان: “الخطاب الإسلامي وأثره على مفهوم الدولة”، كما قدم أ.د. يحيى بن جنيد ورقة بعنوان: “دور الوقف في بناء الدولة الإسلامية (استلهام التراث والتماهي مع تجارب العالم المعاصر).
وفيما يلي نص خلاصة وخاتمة ورقة الحبيب علي الجفري في المؤتمر:
“يمكن تلخيص إشكاليات الطرح “الإسلامي” المعاصر ومشاركاته السياسية في بناء الدولة التي ذُكرت في هذه الورقة أو ضاق عنها المجال في أربع نقاط:
1. ضعف الاستيعاب للمنطلقات الفلسفية والقيم المعاصرة الموجِّهة للعمل السياسي مما أدى إلى خلل في إرجاعها إلى ميزان الشريعة المطهرة، وسطحية التعامل مع الواقع السياسي، والعجز عن المشاركة في مستقبل متغيراته.
2. فقد التأصيل الشرعي الناضج المجدِّد لمحددات العمل السياسي المعاصر مما أدى إلى الاستعاضة عنه بالتلفيق والمواءمة المتسرعة بين الخطاب الشرعي والمفاهيم المعاصرة لبناء الدولة والممارسات السياسية.
3. الاستخفاف بالثوابت القيمية والضوابط الأخلاقية التي جعلتها الشريعة المشرفة حاكمة للقرارات والتصرفات في ميدان المشاركة السياسية، مما أدى إلى تكرر التخلي عن تلك الثوابت القيمية والأخلاقية أمام الأزمات التي تواجه معترك الممارسات السياسية المعاصرة.
4. الخلط الخطير بين قدسية الشرع المصون والاجتهادات البشرية غير المعصومة للأفراد والجماعات والأحزاب التي أعلنت التزامها بالشريعة الإسلامية مما أدى إلى نسج مفاهيم الولاء والبراء الزائفة حول أولئك الأفراد والكيانات واعتبار خصومها خصومًا للإسلام والشريعة.
وإنَّ معالجة هذه الإشكالات تتطلب في حدها الأدنى:
1. جديّة الاعتراف بوجود هذه الإشكاليات وبما ترتب عليها من فشل التجربة السياسية المعاصرة إحياء لسنّة نقد الذات وإخلاصًا لأمانة المعاملة مع الله.
2. شجاعة اتخاذ القرار المسؤول بتأجيل المشاركة في التنافس السياسي إلى حين معالجة هذه الإشكالات.
3. الاعتذار للأمة عن الأخطاء التي ارتُكبت في خضم التجربة الحالية والاستعداد لتحمل عواقبها.
4. العكوف على إعداد مشروع حقيقي مع العمل على إعداد من يمكن أن يقوم على تطبيقه من الناحية الأخلاقية والكفاءة العملية في حالة اختيارهم للمشاركة السياسية بصفتها وسيلة للوصول إلى خدمة الحق.
أسأل الله التوفيق والإخلاص والقبول، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.” اهـ
توصيات المؤتمر :
1. وجود دولة إسلامية حديثة لا يكون إلا بالهدي الرباني، ودون التقيد بالتأويلات الفكرية والتطبيقات التاريخية الماضية، مع الانفتاح على التجارب الحديثة والاستفادة منها.
2. أن النموذج الأنسب للدولة الإسلامية القابلة للاستمرار والاستدامة هو الدولة المدنية، التي يحكم فيها الـمؤتـمنون من أهل الاختصاص كل في مجاله. وذلك بالاعتماد على الدستور المبني على أساس احترام القانون وعلى المساواة بين جميع المواطنين من كافة الأطياف العرقية والدينية، بما لا ينافي المبادئ العامة للدين الإسلامي الحنيف.
3. أن وظيفة الدولة الحديثة التي تضمن استمرارها تتمثل في ممارستها لسلطاتها المشروعة القائمة على الشورى لا الاستبداد لأن الدولة يجب أن تكون في خدمة المجتمع، والعدالة بين الجميع دون تمييز، وتنظيـم ممارسـة الحريـات، والحفاظ على دور العبادة وحمايتها لجميع الأديان، والسعي لإسعاد رعاياها وتوفير العمل لهم وحفظ كرامتهم.
4. أكد المشاركون في المؤتمر أن التعددية المذهبية اختيار يجمع ولا يفرق، وهي في عمومها رحمة لأنها تقدم حلولا متنوعة لمشكلات الأمة، ويمكن الاستفادة من كل الآراء والاجتهادات الفقهية، وبذلك تكون أرحب في نظرتها، كما ورد في رسالة عمان ومؤتمر احترام المذاهب، ولذا رفض المؤتمرون استخدام الصراع الطائفي والتحريض عليه في حل المشكلات التي تعرض داخل الدولة، وأكدوا على حرية الرأي والمعتقد وحرمة دم الإنسان ورفض التوجه التكفيري واستعماله في الصراع السياسي، وأن توضع القوانين الصارمة بهذا الشأن وتفعل.
5. التأكيد على دور المؤسسات الدينية وجهود العلماء في إبراز مفهوم الدولة وقيمها وترسيخ روح الوحدة والوئام بين مكونات المجتمع كافة.
6. نبذ العنف أيا كان مستخدمه وأيا كانت أسبابه، وأن تحترم إرادة الشعوب في التعبير عن آرائها وأفكارها ضمن القوانين والقيم والمعايير المتبعة. مع الثناء على دور الأزهر الشريف في حرصه على السلم والأمن الداخلي والخارجي، ويقدرون وثائقه المتعددة التي تهدف إلى حقن الدماء والحرص على المصالحة الوطنية.
7. رفض استخدام الصراع الطائفي والحض عليه في حل المشاكل التي تعرض داخل الدولة، حتى ولو كانت هذه الصراعات ناشئة عن إخلال بالعقد الاجتماعي، وأن توضع القوانين الصارمة المانعة لذلك، وأن لا تحل المشاكل إلا بوسائل السلم والحوار والتفاهم.
8. التأكيد على أهمية التلازم بين التنمية والبيئة وأهمية التربية والتعليم والبحث العلمي والمنظومة الأخلاقية وضرورة استثمار ذلك والمحافظة عليه تنفيذا للخطاب الرباني، وبما يمنح الدولة الإسلامية الحديثة صفة الاستمرارية والاستدامة.
9. التأكيد على أهمية منظمات المجتمع الأهلي والمؤسسات الوقفية والتشجيع على إنشاء المزيد منها، لأهمية الوقف في تمكين الدولة من القيام بوظائفها الاقتصادية والاجتماعية ودوره الكبير في تنمية وتطور المجتمعات الإسلامية، خصوصا في مجالي التعليم والصحة وبمساعدة اللاجئين الذين اضطروا للخروج من ديارهم.
جدير بالذكر أن مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي بالأردن تأسست عام 1980 باسم المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت) وتضم نحو 130 عضوا من كبار العلماء والمفكرين من أكثر من 40 دولة حول العالم ويرأس مجلس أمنائها المكون من سبعة أعضاء الأمير غازي بن محمد كبير مستشاري العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للشئون الدينية والثقافية والمبعوث الشخصي له.
وتهدف المؤسسة إلى التعريف بالدين والفكر الإسلامي وتصحيح المفاهيم والأفكار غير السليمة عن الإسلام وإبراز تصور إسلامي معاصر لقيم المجتمع ومواجهة قضايا العصر ومشكلاته وتحدياته بمواقف وحلول علمية إسلامية من هدي الكتاب والسنة وإبراز نظرة الإسلام لآل البيت الأطهار وإنجازاتهم في التاريخ وفي بناء الحضارة الإسلامية والنهوض بالدراسات والبحوث الإسلامية في مختلف فروع المعرفة الإسلامية وتعميق الحوار وترسيخ التعاون بين علماء المذاهب الإسلامية لتحقيق أقصى مدى للتقريب بينهم.