حينما ينطلق الداعية من مساحات الوسطية والاعتدال يصعب أن تنفر منه.. ربما تتفق أو تختلف معه.. ولكن كلماته وآراءه سوف تتسلل إلى أعماقك لتفجر مناطق التفكير والنقاش.. وفي النهاية سينتصر المنهج القويم الذي رسخه الإسلام الحقيقي على مدى قرون عديدة من الاجتهاد والدعوة. هذا المفهوم الحضاري للإسلام الوسطي.. كان الدافع الأول وراء تصدي (الأهرام العربي) لمهمة بناء عدة جسور للتواصل والتحاور بين قرائها ورموز الدعوة الإسلامية في الوطن العربي خلال المرحلة الراهنة.. وكما قدمنا. وما زلنا نافذة للحوار بين فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي والقراء في جميع الدول العربية كان مهماً أن ننظم حوارا واعيا وجادا مع الداعية الإسلامي الحبيب علي الجفري عبر الندوة الموسعة التي حضرها حشد كبير من الصحفيين والقراء وشهدت نقاشا ساخنا حول قضايا وأمور عديدة في الدين انطلاقا من وسطية الإسلام واعتداله عقيدةً ومنهجاً.في بداية الندوة قدم خيري رمضان مدير التحرير تعريفا مختصرا بالضيف مشيرا إلى أنه جاء إلى مصر منذ فترة قصيرة واستطاع ان يجمع حوله الكثير من المحبين وهو ينتمي إلى مهد الحضارات في حضرموت في اليمن وأضاف أن الهدف من وجوده الآن بيننا هو نقل صوته إلى شريحة جديدة من المثففين وهذا الدور ليس جديدا على (الأهرام العربي) التي فتحت عدة نوافذ للحوار الحضاري مع الدعاة الأفاضل وهو ما يجعل ندوة اليوم مع الحبيب علي الجفري حلقة من سلسلة لقاءات تهدف إلى التعرف الدقيق على الإسلام الحقيقي بعيدا عن المغالاة والتطرف.ثم تحدث أسامة سرايا رئيس التحرير مرحبا بالداعية الحبيب الجفري وبضيوف الندوة من الإعلاميين والعلماء والقراء مؤكدا أن الحبيب يطرح رؤية معتدلة لدور الإسلام والفكر الديني في المجتمع وتنبع أهمية هذه الرؤية من توقيت واعتدال طرحها بعد سنوات طويلة عانت خلالها الأمة من التجهم والتعقيد في أمور الدين حتى ابتعد البعض عن الروح الحقيقية للدين الإسلامي الحنيف كما أنه يمثل مجموعة من الدعاة الجدد الذين يحملون روح التسامح والعقلانية ويؤمنون بالنقاش إلى حد الاختلاف في وجهات النظر والأهم من ذلك أنهم لا يفتون فيما لا يعرفون.وقبل فتح باب النقاش ألقى الداعية الحبيب الجفري كلمة حول المنهج الإسلامي الراقي مشيرا إلى أنه يملك وسائل التأثير ويسد حاجات كل زمان ومكان فقوته تكمن في انه يستطيع أن يخاطب الإنسان ومعنى أن يخاطب الإنسان أن يكون شامل الخطاب يعي أن الله قد خلقه من جسد وروح وعقل وقلب ونفس أما الجسد والعقل فهما معروفان وأما الروح والقلب والنفس فهي تمثل أثقل ما في الإنسان وأبرز ما فيه.وبعد معرفة هذه العناصر الثلاثة المهمة في تكوين الإنسان فإن الخطاب القاصر هو الذي يوجه جزءا واحدا من هذه الأجزاء ويغفل مخاطبة الإنسان كله فالذي يخاطب عقلاً مجرداً لا تأثر له بالعواطف أو الانفعالات النفسية فسيتحول إلى منعزل عن واقع المجتمع.والذي يخاطب غرائز الإنسان وجسده دون مخاطبة العقل الذي يضبط له سلوكه فسيفشل في توجيه هذا الإنسان ويسوقه إلى الفشل أيضا والذي يخاطب الروح في الإنسان والمعنى السامي الملائكي ويغفل الجوانب الأخرى فإنه يظل يتحدث عن أسطورة فريدة ليست موجودة في بنى البشر إلا في أفراد (قلائل) معدودين.والذي يخاطب قلب الإنسان الذي هو موضع نظر الله ويوجه إليه الأوامر والنواهي: أفعل واترك.. إلخ دون أن يراعي الجوانب الأخرى فقد أتعب الإنسان وأجهده .وهنا تأتي حكمة خطاب الدين دين الله الذي أوجد خطابا للإنسان بكليته فأقام صفة الاتزان فيه أما من يدعي أن خطاب الدين سبب لشخص ما إرباكا أو عدم اتزان في شيء محدد فذلك يصب في الشخص نفسه أو في الظروف المحيطة به أما الدين فعظمته أنه شامل كامل يستوعب كل عناصر الإنسان مع مراعاة تغير الظروف والواقع المحيط به .وجانب الرقي في خطاب الله إلى الإنسان أنه يجعله خليفة له وفي الأرض ومفهوم الخلافة ليس محصورا في جانبه الضيق المتمثل في السلطة والحكم وإنما في الجانب الراقي المتمثل في الآية (إني جاعل في الأرض خليفة) فالحكم والسلطة هي أحد أجزائه وليست الكل والغاية فإذا فهم الإنسان خطاب ربه بالصورة الصحيحة صار خليفة في الأرض وامتلك زمام الأمور في يده أما إذا أساء فهم هذا الخطاب فإنه سيتحول إلى حب تطحنه رحى الواقع ورحى الحاجة.فالإنسان اليوم بمختلف مستوياته يقع فريسة بين حاجته وما يريد وبين واقعه وما يريد ويتحول شيئا فشيئا إلى خادم للحياة بدلا من أن تخدمه هي وهذا ما يبينه الله في حديث القدسي (يا دنيا من خدمنا فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه) .في رحلتي إلى احدى دول الغرب المتقدمة في الحضارة الخدماتية والتكنولوجية لاحظت ان الفرد فيها عبارة عن آلة أو طاحونة تعمل بمنتهى الكد طوال الأسبوع وسط وسائط ووسائل تكنولوجية معقدة من المفترض أنها تسهل عليه حياته وتختصر وقته الثمين ويعد كل هذا الإرهاق والضغط العصبي فهو يحتاج إلى متنفس وراحة من هذا المناخ المعقد .. فيذهب في آخر الأسبوع إلى حانة أو (بار) ويشرب حتى يسكر فيخرج من هذا المكان وقد ألغى عقله باختياره وأصبح أشبه بالبهيمة لأنه دخل هذا المكان وهو رجل له حيثية ووضع اجتماعي معين وخرج منه وقد جرد نفسه بإرادته من تلك الآلة التي شرفه الله بها ليعرف الصواب من الخطأ فيتميز عن الدواب.. وهذا نموذج لمن يطحنه الواقع وتطحنه رحى متطلباته وحاجاته وغرائزه.فنحن لا يضيرنا كمجتمع مسلم أن نجلس في موقف المتعلم من الغرب ماداموا قد تفوقوا علينا في حضارتهم العلمية والتكنولوجية لكن لابد أن نعي أن هناك فرقا بين تقدمنا ونحن متصلون بالغرب وتقدمنا ونحن على صلة بالله سبحانه وتعالى.. وهنا لابد أن نرتقي بفهمنا لطبيعة وأدوات التقدم العلمي والتكنولوجي من نطاقه الضيق على مستوى المجتمع إلى نطاق أوسع وأشمل وأعظم وهو التعامل مع الله عز وجل مصداقا لحديثه القدسي السابق ذكره.المسلمون في القرون الوسطى كانوا يقودون العالم ويضيئون الدنيا نورا وعلما وذلك في الوقت الذي كانت أوروبا فيه تضج في الظلمات والجهل والتاريخ يروي واقعة تاريخية شهيرة بين هارون الرشيد الخليفة المسلم وبين شارلمان أحد حكام أوروبا حينما أهدى له ساعة فبهره ما رأى وطلب خاصة دولته وأعيانهم ومستشاريه وعقدوا اجتماعات لمدة ثلاثة أيام خرجوا بنتيجة مفادها أن الساعة يحركها شيطان يسكنها!! في القرون الوسطى كنا نفقه كيفية تلقي خطاب الله على الوجه الأمثل فتقدمنا.. وعلى العكس سارت الأمور مع مرور الأيام حتى عجزنا عن ملاحقة ركب التقدم.وعلى مستوى التعامل مع الأفراد لابد أن امتلك روح التسامح والتلقي من الغير حتى ولو كانت وجهات نظر مخالفة لما أرى وأن أحترم كل من يتحدث في تخصصه وأنصت له باحترام وبعد ذلك من حقي أن أفكر فيما يقول.. فإما أن أكون مخطئا فأراجع نفسي وأصحح لها ما وقعت فيه من لبس أو خطأ وإما أن أظل مقتنعا برأيي مادام صوابا.
فأجاب الحبيب:
القضية لها عدة أبعاد ينبغي ألا تغفل .
البعد الأول : الجانب الشرعي فيه من حيث الحكم.
والثاني : جانب الواقع الذي نعيشه وما يطلبه.
أما الثالث : فهو التعامل الذي حصل من الموافق والمخالف للرأي في هذه القضية.
ولقد أدت قلة التقاء فكر المتحدثين بالجانب الأول وهو الشرع مع فكر المتحدثين بالجانب الثاني وهو الواقع إلى مقابلة هذه القضية بالتشنج والتمسك بالرأي إلى حد التعصب وحولت القضية إلى منابر صراع بين الجانبين لم يثمر عن رأي نهائي يرضي جميع الأطراف.
فنحن نحتاج إلى وضع منهجية في التعامل مع مثل هذه المشكلات لنرتقي من مجرد الخطاب عن الواقع إلى ربط الواقع بالقاعدة فالمسافة ما بين الشرع والواقع ترجع إلى الإنسان فهو المتعامل والمستفيد ولقد قلنا من قبل بضرورة أن نقود الواقع لا أن يقودنا هو وأن أقوم أنا بترشيد وتصويب وتهذيب الواقع ولا يتأتى هذا إلا بالصلة بخالق الواقع ومدبره فحينما نأتي إلى قضية للحق سبحانه وتعالى فيها توجيه وللنبي صلى الله عليه وآله وسلم إرشاد ينبغي أن ننصت بتفهم يسهل عليها التعامل مع الواقع الذي حولنا ومعنى التفهم هذا أن نكون على يقين تام وكامل بأن رأى السماء وتوجيه الله سبحانه وتعالى في هذه القضية هو الأصلح لحالنا ولفطرتنا.
وحينما ننظر لطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة فالمرأة ليست فقط بالنسبة للرجل الزوجة أو المتعة ولكن هي أيضا الأم والأخت والبنت وهي بالمعنى الواسع الإنسانة وكذلك الرجل هو الزوج والأب والأخ والابن وهو بالمعنى الواسع الإنسان وقد قلنا من قبل إن من أسباب عظمة الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان أنه خاطب الإنسان كله ولا شك أن صلة الرجل بالمرأة كانت مثار جدل في جميع الحضارات وفي جميع الأزمنة وما نراه اليوم من ظلم شديد للمرأة في بعض المجتمعات المتقدمة وإساءة إلى إنسانيتها هو رد فعل لفترة كان ينظر فيها للمرأة نظرة ناقصة متخلفة.
وحينما بعث الله رسوله في جزيرة العرب كانت المرأة سلعة تباع وتشترى وتوأد مخافة الفقر ولم يكن هذا في جزيرة العرب فحسب بل كانت محاور مؤتمرات البيزنطيين والفرس والرومان: هل المرأة إنسان أم حيوان أم شيطان أم أنها شر لابد منه؟
وعرفت تلك العصور ما يسمى بملابس العفاف التي يضع الزوج على ملابس زوجته من خلالها قفلا يحكم إغلاقه بنفسه ليعرف هل خانته مع غيره ام لا؟!
وفي الشرق كانوا يحرقونها فإذا مات زوجها فلا داع لحياته ولتدفن مع زوجها فهي سلعة تابعة للرجل أينما ذهب وجاء الإسلام فأنصف المرأة وأعطاها كرامتها كإنسان ولم يكن ذلك كردة فعل لما مضى أو كما يقال في الفيزياء لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار معاكس له في الاتجاه ولكن عالجها من منطلق حاجة كل من الرجل والمرأة للآخر .
ثم جاءت الثورة الصناعية وتمردت المرأة على كل القوانين وعلى الماضي وبحثت عن حريتها وطالبت بمساواتها بالرجل.
وفكرة المساواة بين الرجل والمرأة فيها إهانة بالغة للمرأة.. لو فكرنا فيها فإنها تجعل هدف المرأة أن تصل للرجل فهذا ظلم لها فالإسلام يدعو المرأة إلى أن تكون أفضل من الرجل ويحث الرجل على أن يكون أفضل من المرأة ولكن ما المقياس؟! .. ليس رأيي أو رأيك وإنما لابد أن يتدخل هنا منهج سليم قويم يخضع له الطرفان عن رضا كامل.
ولقد قرأت بحثاً لعالمة اجتماع المانية أن غاية ما ترنو إليه المرأة في الغرب أن تعود إلى البيت وتتوقف عن الكد والعناء بحثا عن لقمة العيش ومشاركة الرجل عملية الإنفاق على البيت.
فعليها أن تصارع الحياة يومياً تماماً كما يفعل الرجل وتدوس أنوثتها التي ميزها الله بها أو تلجأ الى الإحتمال الآخر وهو أن تستسهل الامر وتبيع نفسها كسلعة رخيصة.
وقد أجريت دراسة في جامعة ميامي في فلوريدا أن عدد البنات اللاتي يرغبن في التقدم لاختبار عرض أجسادهن للإغراء وكانت النتيجة أن 78% من طالبات الجامعة يرغبن في التقدم إلى هذا الاختبار فالمرأة هنا اختارت الحل الثاني بحيث تدوس أنوثتها وترهق تفسها بحثا عن المال وإيجاد وسيلة سهلة للكسب على حساب إنسانيتها وفي إحصائية عام 2001 تم تسجيل حادثة اغتصاب كل 76ثانية وارتفاع نسبة الانتحار والإجرام، كل ذلك مؤشرات على الفشل الذريع لهذا المجتمع.
أما عندنا في مجتمعنا الإسلامي فلقد قدمت المرأة دوراً راقياً في تاريخنا الزاهر وكانت الأم التي خرجت أبطالا في المعارك الفاصلة والطبيبة التي تعالج والعالمة التي تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. حتى الأماكن والآثار منها ما يحمل أسماء النساء كعين زبيدة في مكة وإذا ضربنا المثل في الورع وحب الله سنذكر رابعة العدوية فالمرأة لم تكن محرومة من أداء دورها إلا بعد الدخول في عصر التخلف الذي نعيشه.
فليس من الصواب أن آخذ تجربة متخلفة من واقع آخر كحلّ للأزمة ومن مجتمع أثبت فشله في إعطاء المرآة حقها على الوجه الأمثل.
فالإسلام وضع ضوابط للتعامل بين الرجل والمرأة فجعل مثلا بين الزوجين سكناً ومودةً ورحمةً وعلاقةً يحفها الحب والاحترام المتبادل وأن ينظر كلاهما للآخر نظرة عقل وغريزة لا إحداهما فقط.
وهذا يقودنا إلى تلك القضية التي مللنا من طرحها في وسائل الإعلام للمناقشة وهي غير قابلة للمناقشة بالمرة.. وهي قضية حجاب المرأة فالحجاب فرض على المرأة المسلمة وهذا رأي نهائي لا نقاش فيه أو جدل لأنه تشريع سماوي من رب العالمين، الخلاف فقط في غطاء وجهها من عدمه أما تلك السفسطة التي تحدث في وسائل الإعلام والصحف كل يوم فهي من رواسب الفساد في هذا المجتمع وعلامة من علامات المرض الاجتماعي المتفشي فيه خاصة أن هذه السفسطة تجري على ألسنة وأقلام غير المتخصصين في الدين.. فمن الخطأ والزيف الذي نعيشه أن نسمع آراء من غير المختصين في هذا المجال ومع الأسف أصبح الدين هو أهون التخصصات وصار حق الفتوى ملكا لكل من له خواطر أو آراء حتى ولو كان طبيباً أو عاملاً أو مهندساً أو غير ذلك.
وعندما يأتي الإسلام وينهانا عن الاختلاط لحاجة ما وضرورة ملحة وليس اعتباطاً فإن علينا الالتزام بأوامره ونواهيه وبعد فهمنا للواقع الذي حولنا.
فمثلا في الباص في العمل إن كان هناك اختلاط فلا بأس فهذا أمر لابد منه لكي تسير الحياة ولا تتعرقل عملية الإنتاج، لكن في مثل هذه القاعة وفي محاضرة مثل هذه ما جدوى أن يجلس الرجل بجانبه امرأة؟ ما الذي يورث الضيق في النفوس لو كان النساء في آخر القاعة والرجال في أولها أو العكس؟
لكن أعتقد انه من الصعب الإنصات إلى أية محاضرة سواء دينية أم غيره لو جلس الشاب وبجانبه فتاة فقط يؤدي هذا أن يفتح الشيطان بينهما أفكاراً خبيثة قد تشغل كلاهما عن الاستفادة بالدروس وكلنا يعرف ماذا يحدث في جامعاتنا وفي مدرجات الجامعة من مواقف ومخالفات كثير تعيق الهدف الحقيقي وهو تلقي العلم فالواقع هنا لا يُسعف ولا يساعد على الانصياع له، إذن الحل أن أقود الواقع لا أن يقودني وأتحكم أنا في غرائزي وأخضع للخطاب الرباني وحكم الشرع وهو البعد الأول في هذه القضية.
الحبيب علي :
فيما يتعلق بتعاملنا مع طبقة الأثرياء فقط مللت من تكرار الإجابة والنقاش حول هذا الأمر في كل المحاضرات والندوات التي حضرتها ولكن لا بأس من إعادة شرحها.
الداعية لو أعطى جهده للأثرياء فقط طالبا منهم المال مقابل ذلك فقد باع الغالي بالرخيص فهو إذا صدق فقد طلب رضوان الله وهذا هو هدفه المنشود الذي لا يقابله أي مال في الوجود.
أما إذا فكر الداعية في إقناع هذه الطبقة بالمفاهيم الدينية الصحيحة لأنهم أصحاب المال والنفوذ في المجتمع وبالتالي سيكون تأثيرهم إيجابيا إلى حد كبير فنقول له :هدفك سامٍ لكن فهمك قاصر لأن الدين ليس بحاجة إلى مال أحد لينتشر.
والنبي عليه الصلاة والسلام كان أقرب المقربين إليه بلال بن رباح وعمار بن ياسر وسلمان الفارسي وهم من الفقراء المستضعفين.
وعلى جانب آخر فلا ينبغي أن ننظر بحساسية إلى إقبال الأغنياء على الدين ورجال الدين فهو ليس حكرا على أحد والإسلام ليس دين الفقراء والمستضعفين فقط بل دين لكل طبقات المجتمع والأغنياء فئة منه ليسوا بمحرومين من الدين.
أضف إلى ذلك أن مجتمع الغلابة بعيد عن الأضواء فلو أقيمت لهم كل يوم محاضرة دينية احتشد فيها العديد منهم فلن يعرف أحد بعكس أثرياء المجتمع الذي تتصدر أخبارهم صفحات المجلات والصحف.. وليس لي ذنب في إهمال الإعلام لمجتمع الغلابة!!
أما فيما يتعلق بشمول وسعة الطرح والدعوة في جميع مناحي الدين وألا تقتصر على الجوانب الفقهية البسيطة فأنا اضع يدي في يدك في هذه المسألة وأتمنى أن نتعاون نحن وأنتم الدعاة والإعلام في توعية وتوجيه المجتمع لحل كل مشاكله عن طريق العودة لمقاصد الشريعة الراقية فمخطئ ذلك الداعية الذي يقول سأقدم حلا للمشكلة الاقتصادية دون مجالسة الاقتصاديين ومن يقول سأقدم حلا سياسيا دون مجالسة السياسين وبحثا هنا عن حل للمشكلة السياسية مثلا ليس معناه رغبتنا في الوصول إلى الكرسي، لا فلو جاءنا لرفضناه ليس خوفا من أجهزة أمنية لكن لأن لدينا هدفا أرقى وأسمى من هذا.
وعلى كداعية أن أعطي لكل تخصص احترامه بألا أعبث في قضاياه إلا بمعاونة أصحابه فعلي أن أحترم السلطة وأجهزة الأمن ومسئولي الاقتصاد والإعلام وكل المجالات.
ومن الخطأ أن أنظر إلى العلماء والدعاة علي أن الواحد منهم (سوبرمان) يفتي في كل شيء فهناك من يتخصص في مثل هذه الجوانب وهناك من يبرع في فقه الأزمة أو الواقع كما تقول ولا ينافسه أحد ونحن كمجتمع في حاجة إلى هذا وذاك.
الحبيب علي : مسألة القلب والروح والنفس كثر الكلام عليها ولأهل التصوف الراقي مفهوم سامي لهذه العناصر فهم يقولون إن هناك عقلاً حسياً ونفساً حسيةً وقلباً حسياً وروحاً حسيةً وهناك ما يقابلها معنوياً ويرون أن القلب هو موضع نظر الله سبحانه وتعالى في جسم الإنسان، والروح هي سر النفخة ووجه الصلة بيننا وبين الله والعقل هو المخ وما يصدر عنه من انفعالات وقرارات وتحكمات تضبط سلوك الإنسان، أما النفس فهي ميل الإنسان وهواء ولابد من إعمال جميع هذه العناصر معاً بتوازن ليرتضي الإنسان.
فلو انفعلت على إنسان واستفزك وأردت أن تسبه فهناك صراع سيتم في داخلك فنفسك تريد أن تسبه وعقلك يمنعك ويقول لك أنت إنسان محترم فلا تسب وهكذا فإن تناغم هذه العناصر يؤدي بترقي الإنسان من نفسه الأمارة بالسوء إلى النفس اللوامة إلى المطمئنة إلى الراضية إلى المرضية.
الحبيب علي : الرؤية الشاملة الكاملة للجهاد كمعنى نقول إنه بذل الجهد وإجهاد النفس في طلب رضوان الله على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والتعامل مع الغير، يخطئ من يلغي جانب السيف والقوة فيه لكن يخطئ أيضا من يعتبره كل الجهاد، الجهاد مبدأه فيك كإنسان وبقدر صدقك لمجاهدتك لنفسك تستطيع أن ترتقي إلى أعلى درجات النفس وتفوز برضوان الله.
الحبيب علي : أحيي فيك الغيرة على الدين التي تتكلم من خلالها لكني أعاود الحديث عن الجهاد فأقول: البداية منك أنت فنفسيتكم ونفسية الحاكم واحدة فالنفس البشرية واحدة لكن سلوكي وسلوكك هو الذي يحدد الصالح من الفاسد.
لست أعني بكلامي هذا الدفاع عن أحد أو مداهنة الحكام لكن القصد أن نخرج من الحنق والغضب الذي يعترينا من أنفسنا ومن ولاة أمورنا لنفكر بشكل أدق وأرقى ولنبدأ انا وأنت بأنفسنا وسترى في الواقع من سلوك ما يقر عينك.
الحبيب علي : مسألة الأولويات في الدعوة هي منهج أحرى بأن يتبعه كل داعية وهو أن أبدأ ببيتي ثم بحارتي ثم بمنطقتي ثم قريتي وبلادي لا على أساس عصبية أو قبلية بل على أساس مبدأ الأولوية لكن إذا فتح الله بابا للداعية ليصل أبعد من هذا دون تعطيل لمبدأ الأولويات فمن الجحود أن يرد باب هذا الفتح الإلهي لإيصال كلمة الحق أما فيما يتعلق بأن الدعاة الجدد هم موضة الفضائيات وسلعتها الرائجة فأنا أرفض هذه التصورات فهذا أسلوب في التفكير والتعبير لابد أن نرتقي عنه وأن ننأى بأنفسنا عنه.
وفي مقامي هذا ليس من اللياقة أو الأدب أن أسرد لك ماذا فعلت في اليمن فهي مهمة كلفنا بها الله سبحانه وتعالى وهي خالصة لوجهه هو.
ومصر بلد الأزهر الشريف الذي حتى إن تكلمت فيها أو تحدثت فيها فلا بد أن أروي حديثا كان في سنده أحد أئمة الأزهر فهو هيئة شرف الله بها مصر، ووجه ريادة الأزهر ليست عن قبلية أو عصبية قطرية لأنه في مصر، فهو حكر لها لكن وجه ريادته في انه ينفع الدين والأمة بعلمائه الأجلاء، وأنا في مصر لا أتدخل في مجال الفتوى فهو له أهله الأحق به إلا في المسائل التي لا علاقة له بالواقع أي في المسائل التي لا يترتب علي الحكم فيها معطيات لها علاقة بالواقع.
اليمن كمصر كالشام كدول الخليج كالمغرب كلها بلاد الإسلام الأصل بين أهلها المحبة وأحوالها واحدة وليست الفضائيات محصورة على بلد واحد منها فأنا لي أكثر من برنامج في أكثر من قناة إماراتية ولقاءات ودروس أخرى في قطر وعمان وفي اليمن ينتظرني الرجوع لتسجيل بعض الحلقات هناك.
والفضائيات بشكل عام إحدى الوسائل التي جندها الله للدعوة وخدمة الإسلام إن تم توجيهها بشكل يليق بذلك الهدف الراقي.
الحبيب علي : لقد أخذت هذه القضية أكبر من حجمها الحقيق كما قلت مراراً نحن نعيش عصر التطرف فهناك فئة تحكم على هؤلاء الفنانين بالكفر وبالخروج على الدين وهذا باطل فهم مسلمون حتى العصاة منهم وفئة أخرى تراهم منطقة محظورة لا ينبغي أن يقترب منهم الدين أو أن يحرموا منه ويكيل الشتائم والتهم لأي داعية يحاول هدايتهم وهي نفس الفئة التي شجعت هؤلاء الفنانين وصنعتهم كنجوم على صفحات الجرائد فهي بهذا تناقض نفسها وتهين مهنتها.
وأنا شخصيا لم أدع فنانا قط للاعتزال ولو حدث هذا فأنا لا أرى في ذلك شيئا معيبا أو يجعلني أتردد في أن أقوله لكن بعضهم يختار حضور مجالسنا بنفسه دون إكراه أو توجيه دعوة له.
الحبيب علي : الإشكال ليس في جهة النظر المختلفة في المسائل الفقهية لكن في أمرين:
الأمر الأول: من الذي يتكلم.. من الذي يُفتي؟!
هل يكفي أن أمتلك شهادة من جامعة إسلامية أو من الأزهر لأفتي؟
الأمر الثاني: يجب أن نفرق بين الاختلاف الاعتقادي والاختلاف الفقهي فالاختلاف الفقهي مؤشر صحي وإيجابي في مجتمعنا إذا خرجت الفتوى فيه بالشكل الصحيح وتم تلقيها بالشكل الصحيح فنقل الأعضاء والفوائد البنكية.. إلخ كلها قضايا تنطوي تحت الاختلاف الفقهي نحصل فيه على فتاوى تكفل الاستيعاب لتغير الواقع، والخلاف الفقهي ليس ظاهرة جديدة حتى الأيام الأولى من عمر الإسلام ففي عصر نهضة الإسلام العلمية كان في أهل السنة والجماعة وحدهم ما يقارب 12 مذهباً كالشافعي والمالكي والحنفي والحنبلي وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري والليث بن سعد وكان الشافعي تلميذا لمالك وشيخا لأحمد فاختلف عن أستاذه واختلف عنه تلميذه وكان في اختلاف هذا وذاك إثراء للشريعة الإسلامية، لأنني هنا أمتلك قاعدة عريضة وثروة كبيرة من الاجتهادات الفقهية التي هي نتاج سهر وبحث وتعلم، أوجدَت استيعابا لكل متطلبات الإسلام في كل العصور والأوقات ولكل الأفراد.
الفتوى والخلاف الفقهي ما دام في هذا الإطار لا مشكلة فيها لكن الخطأ يأتي عندما يفتي من هو غير مؤهل للفتوى فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يأذن لكل صحابته بالفتوى بل إنه وضع تخصصات في الفتوى وقال: (أفرضكم زيد) أي هو خير من يفتي في علم الفرائض و(أقضاكم علي) أي خير من يفتي في الأحكام القضائية والمشكلة الثانية فيمن يتلقى الفتوى فقد يأتي الشخص يطلب الفتوى من أحد العلماء وهو يريدها مخصوصة محددة تلائم معتقداته وما يحتاجه وإلا يصبح الشيخ الذي لا يعطيه هذه الفتوى (التفصيل) متشدداً!
إذن فعظمة المذاهب في اختلافها لكن المشكلة فيمن يفتي وفيمن يتلقى الفتوى.
أما الجانب الثاني من الاختلاف وهو الاختلاف العقائدي فهي مسألة خطيرة ربما يؤدي الاختلاف فيها إلى الوقوع في الشرك.
وجاء بعض أصحاب الدعاوى والأفكار التي ذكرتها إنما هي أفكار فئة ظهرت في نجد فأنا أعرف أهل السعودية وأهل اليمن وهي بلاد معظمهم وغالبيتهم لا يفكرون بمثل هذه الأفكار وإذا ذهبت إلى المدينة ودققت الملاحظة ستجد الكثير منهم من يقفون أمام قبر الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم وتسيل دموعهم شوقا إليه.
وأنا شخصيا قد نشأت وتعلمت في السعودية على يد الدكتور محمد بن علوي المالكي الحسني الذي كان والده صاحب الحلقة العلمية في الحرم المكي الشريف وإذا ذهب إلى المدينة يدرس فنحن كتلاميذ تعلمنا في أرض الحجاز نأخذ منهجاً متكاملاً له سنده المتواصل مكياً ومدنياً الذي ربما يكون مأخوذاً في الأصل من علماء الأزهر الأجلاء، والعكس كان يحدث أيضا أنه كان من علماء الأزهر من يروي أحاديث شارك في سندها أحد أئمة الحرم فلا عصبية أو قطرية للدين.
وجمهور الأمة على صحة المساجد التي فيها قبور للصالحين ولا يرى في ذلك شركاً أو خلافاً للعقيدة، الأزهر فيه ثلاثة قبور وكأننا إذا قلنا بالحرمة فنحن بذلك جهلنا حضارة وعلم ألف سنة فيه ورمينا أئمته بالسوء والمدينة المنورة بها قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وصاحبيه اللذين تم إدخال قبرهما إلى المسجد في عهد كان عمر بن عبد العزيز فيه هو والي الأمة وولي أمرها فلو قلنا بحرمة ذلك كأننا ننكر أفضلية هذا التابعي الجليل والإمام العظيم.
ولابد أن نتعلم ألا نخيف الناس بالوقوع في الشرك لكي يرتدعوا ويبتعدوا عن الشيء المختلف عليه، بهذا المنطق سنجد أن الرجل العامي الذي يزور سيدنا الحسين في مسجده ويحبه لأنه من آل بيت النبي سيبتعد عن هذا ويخشى الوقوع في الشرك.
فالتهم المجهزة مشرك كافر مارق لا داعي لها حينما نناقش أي أمر من أمور العقيدة وهذه ظاهرة قديمة اتبعها الخوارج من قبل ودعواهم أنهم قالوا انت بحبك وزيارتك لآل البيت كأنك تعبدهم وتنطبق عليك الآية: ((ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)) وهل هذا معقول؟! فهذه الآية نزلت على الأصنام في الجزيرة العربية وعبادة الأصنام فهل تشبهون آل البيت بالأصنام وهل حبي لهم وزيارتي لهم عبادة من دون الله؟
الحبيب علي : المسألة لا تنفصل عن بعضها فلا أستطيع أن ألغي فكرة التوسل بالصالحين وتوسيطهم لكي لا يقع أحد العامة في الشرك فلو فعلت ذلك لارتكبت خطأً كبيراً في علاج المشكلة، الصواب هو تعريفهم بآداب توسلهم بالصالحين وتهذيب أسلوبهم وخطابهم في هذا، فالتوسل بالصالحين شرعاً ليس حراماً وفكرة أن الله لا يحتاج إلى واسطة لا خلاف عليها ومجمع عليه لكن (تعال معي) هل يحتاج الله إلى صلاة إلى صوم إلى زكاة بل هل يحتاج إلى خلقه كلهم؟ بالطبع لا فالله غني عن العالمين لكن نحن الذين نحتاج إلى صلاة نحتاج إلى صوم ونحتاج -أدبا مع الله تعالى- إلى الواسطة.
وقد جاء في إبلاغ الرسالة حينما كان جبريل عليه السلام واسطة بين سيدنا رسول الله ورب العالمين وسيدنا محمد واسطة لنا عند الله أيضا يقول تعالى: (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً) فهنا جعل الله المغفرة مشروطة بالمجيء للرسول وطلب المغفرة من الله من أجلهم، إذن فالمبدأ هنا أن الواسطة جائزة في العبادة.
حتى الحب الذي هو أدق خصوصيات الصلة بين الإنسان وآخر أو بين الإنسان وربه قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) فلماذا ربط الله الحب له بحب رسوله وأتباعه؟ لماذا لم يقل إن كنتم تحبون الله فاتبعوا الدين أو الله.
ولقد علمنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نفسه التوسل حينما توفيت أمه من بعد أمه زوجة ابي طالب السيدة فاطمة بنت أسد الذي ربته أدخلها بيده القبر وقال: (اللهم إني أسألك بحقي وحق الأنبياء من قبلي أن تغفر لأمي من بعد أمي فاطمة بن أسد) وهذا الحديث رواه الترمذي والبيهقي والحاكم بسند صحيح.
وحينما طلب الرجل الأعمى من رسول الله أن يدعو له الله ليكشف عنه بصره فقال له رسول الله: (اذهب وقل اللهم إني أتوسل إليك بالنبي محمد نبي الرحمة ان ترد لي بصري) ففعل فرد الله له بصره.
وهنا حجتان واضحتان تثبتان صحة التوسل برسول الله أولاً: أن بلال بن حارث صحابي جليل تربى على يد الرسول وفهم منه الدين الصحيح وقد ذكر التاريخ أنه كان كثير التوسل برسول الله وهو في حيِّه (بنى مزينة) وكان يقول: وامحمداه.
والحجة الثانية: أنه ذهب إلى سيدنا عمر بن الخطاب ولم ينكر ذلك عمر عليه ولم يقل له لم فعل هذا؟ بل أقر توسله برسول الله بسكوته ثم توسل بالعباس وسبب ذلك أن كعب الأحبار وهو من اليهود الذين أسلموا في صدر الدعوة قال لعمر بن الخطاب: يا أمير المؤمنين كنا معشر اليهود إذ أقحطنا (أي أصابنا الجفاف) توسلنا بعصبة أنبيائنا فقال سيدنا عمر عندنا العباس وأنا هنا أسأل: من عندنا أهل السنة والجماعة أفضل عمر أم العباس؟ عمر طبعا أفضل مكانة وفضلا.
فلو المسألة كانت تتوقف على الدعاء فقط لدعا سيدنا عمر فهو أفضل من العباس لكن قرابة سيدنا العباس من رسول الله هي التي استوجبت الشفاعة.
وقد جمع رسول الله لنا أصول الخير وترك لنا تفريعاته التي تتجدد بتجدد الحاجة إليها فجمع القرآن على يد سيدنا ابوبكر وعمر وعثمان لم يقل به رسول الله لكن الراشدين رأوا في ذلك خيرا.
وصلاة التراويح لم يكن يختم رسول الله فيها القرآن لكننا نختم فيها القرآن كل عام كمسلمين لأن ذلك تفريعات خير من أصول عظيمة.
الحبيب علي : لا يجب على المرأة وإن كانت غنية أو فقيرة أن تسهم بقرش واحد في المنزل بل إن ذلك واجب على الرجل ان يتكفل بها وبأولاهما ولو أرادت أن تنفق فذلك من قبيل الصدقة تؤجر عليها أو الزكاة تنفقها لأهلها وزوجها هنا من (ذوي القربى) فتحق له الزكاة.
الحبيب علي : الصوفية ليست الطواف حول القبور أو الصياح أو لبس الثياب المرقعة وهناك من يراها (كارنيه) في طريقة أما التصوف حقا فهو علم إصلاح القلوب وهو منهج كامل متكامل لا صلة له بالمعاني الخاطئة والتصورات المغلوطة التي ذكرتها الآن ومرجع التصوف في الكتاب والسنة هو مراقبة الله مصداقاً لقول رسول الله (الإحسان ان تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
وهذا العلم يختلف عن علم الفقه والحديث وبقية العلوم في أشياء ويتفق معها في كثير من الأشياء فهو علم كامل له قواعده وأصوله ومن الجهل أن نقول إن التسمية لم نسمع عنها أيام رسول الله فننكر الموضوع برمته والتصوف سمي هكذا لأن بعض الزهاد وبعض أقطابه لبسوا الصوف كعلامة للبعد عن الدنيا وليست هناك علاقة بين التسمية والمسمى فالفقه يعلمنا الأحكام و الشريعة كيف نصلي؟ كم ركعة نصلي؟ كيف نتطهر للصلاة؟ كيف نصوم؟ أما التصوف فهو معنى لكيفية أن تكون خاشعا لله في صلاتك أو كيف يقبل منك الله عباداتك، كيفية التوجه بقلب سليم إلى الله في كل معاملاتنا؟
فالتصوف من هنا يعني بتهذيب النفوس وإصلاحها من أمراضها ولو تأملنا حال أمتنا وحال واقعنا ومشكلاتنا اليوم سنجدها لا تحتاج منا إلا تنقية نفوسنا ليس أكثر إذن فالتصوف بمعناه هذا جزء أساسي من أجزاء الإسلام والتاريخ يحكي بطولات وأمجاد ومكانات كبيرة لأقطاب التصوف كالسيد أحمد البدوي وسيدي أبي الحسن الشاذلي وغيرهم كثيرين.