الناس في اليمن (وفي حضرموت خصوصاً) وبسبب محبتهم لأهل البيت ينعتون من اشتهر بالعلم والفضل منهم بالحبيب، عملاً بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمه، وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي). والعلماء يقولون: لا مشاحّة في الاصطلاح.. ليس الإشكال أن تناديني يا حبيب أو لا تناديني، المهم ألا ينادي بعضنا البعض يا بغيض.
أسأل الله أن يجعل ذلك حجة لي لا علي، فالانتساب إلى الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم مسؤولية وتكليف قبل أن يكون تشريفاً، وأخجل إذا قلت إني أنتسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأني لا أرى أني قد قمت بحق النسب كما ينبغي.
الأصل في الأسرة نهج العلم والدعوة، وقد اختار العم محمد بن علي الجفري – رحمه الله – بعد أن تخرّج من الأزهر الشريف العمل السياسي لحاجة البلد إبان الاحتلال البريطاني إلى وجود مقاومة تساعد على تحرير البلد، وكان مشروعه إعداد جيل يستطيع أن يقوم بالمهام الوطنية، فأهّل إخوانه وأعضاء حزبه وعدداً من أبناء البلد ليكوّنوا كفاءات متعددة، تمهيداً لهذا الدور بعد الاستقالة، لذا اشتغل الأعمام والوالد بالسياسة، بالرغم من أن الأصل انشغالهم بالعلم الشرعي والديني.
من أجل نجاح السياسة والثقافة والاجتماع والاقتصاد ينبغي العمل في الدعوة، على اعتبار أن الخطاب الإسلامي كالمظلة للجميع. إن ارتقى ونأى أصحابُه بأنفسهم عن التنافس مع الآخرين. والأفضل من ذلك أن يظل الدين يخاطب السياسة والاجتماع والاقتصاد وشتى مناحي الحياة التي يحتاج إليها الإنسان، فيشعر أصحاب كل مجال أن الدين مأوى لهم جميعاً. فإذا ابتعدنا عن العمل السياسي وابتعد الدعاة عن الخوض في معمعة التنافس السياسي سيجد العلماء أنفسهم مأوى للسياسيين بأطيافهم المختلفة، الذين بدورهم سيوقنون أن العلم الشرعي والدعوة إلى الله عز وجل ملاذهم. لكن إذا أصبحت الدعوة جزءاً من المنافسة السياسية في الميدان والسباق للفوز بالسلطة، فلن يكون الدين مظلة للجميع وهذا ما نشاهده في الواقع الإسلامي حالياً.
إننا مع تديين السياسة لا مع تسييس الدين..
لا أقيّده، ولا ينبغي أن تكون نصيحة الحكام من أجل التباهي والشعبية، فالفارق كبير بين أن أنصح الحاكم وأبتغي رضوان الله تعالى والعمل على إصلاح الوضع، وبين أن أتخذ من نقد الحاكم على المنابر وسيلة لنيل الشعبية وإثبات الشجاعة، ولذلك أقول: إننا مع تديين السياسة لا مع تسييس الدين..
والأصل في النصيحة ألا تكون في الجهر، ومن الأفضل أن تكون بالمواجهة الشخصية أو بالمكاتبة لأن ذلك أبلغ في قبولها، فهي وسيلة للوصول إلى تصحيح الوضع، فينبغي ألا تكون مجرد نصح.. وهناك حالات نادرة تغلق فيها أبواب النصيحة والتخاطب من قبل بعض الساسة والمسؤولين، وهنا يلجأ الداعية أو العالم إلى التصريح على الملأ بملاحظاته وانتقاداته ضمن الضوابط الأخلاقية، وذلك استثناءً وليس أصلاً، فإذا كنا نراعي نفسية العاصي بأخذه بالتدريج نحو الهداية بعدم المصارحة والتبسيط، فمن باب أولى وليّ الأمر الذي يرى نفسه صاحب الحق في القيادة والتوجيه..
ثمة خلط بين الأمرين، فارتباط الحاكم بالعالِم قد حصل فيه شرخ خلال السنوات المائة والخمسين الماضية، بالإضافة إلى شروخ أخرى حدثت في تاريخ الأمة خلال تلك الفترة، فهناك فجوة كبيرة بين صاحب القرار وبين المرجعية العلمية الدينية، وهنا يتحمل الحكام جانباً كبيراً من المسؤولية، والجزء الآخر يتحمل مسؤوليته أصحاب الخطاب الديني، وهذا له أثر كبير في النصيحة، لكن لا ينبغي أن يكون مبرراً لأن نحيدَ عن الأصل في النصيحة، وهو الأخذ بالآداب النبوية في النصيحة.
سجنت انفرادياً لمدة عشرة أيام في قبو تحت الأرض
كانت خلوة، استفدت منها كثيراً في مراجعة نفسي، سجنت انفرادياً لمدة عشرة أيام في قبو تحت الأرض، ثم تأكّد للأخ الرئيس أنْ لا علاقة لي بالسياسة من قريب أو بعيد، ووقتها أُشيع أن هناك وشاية أُبلغت للرئيس، وفي النهاية ظهرت الحقيقة للجميع، وفي اليمن الآن المجال مفتوح في المساجد والجامعات للعمل الدعوي.
الذي أعلمه أني ما زلت على قائمة الممنوعين من دخول مصر وقطر.
دار المصطفى أسسها شيخنا الحبيب عمر بن الإمام الشهيد محمد بن سالم بن حفيظ امتداداً لمدرسة أشياخه في حضرموت في (تريم) والتي كان لمنهجها الأثر الأكبر في إدخال أكثر من ثلث جنوب شرق آسيا وشرق إفريقيا إلى الإسلام.. وتقوم هذه الدار على ثلاثة مقاصد، أولها: التعليم بطريقة الأخذ والتلقي والحوار والسند المتصل.
والمقصد الثاني: التزكية والتربية التي تقوم على أساس البحث عن الأرقى، وطلب الوصول إلى مقام الإحسان من خلال تطبيق العلم الذي يدرس.
والثالث: الدعوة إلى الله عز وجل، وهي إعمال الفكر وبذل الجهد لنشر ذلك في العالم.
ويوجد في الدار طلاب من أنحاء العالم الإسلامي من القارات الخمس، وبعضهم يصطحبون عائلاتهم، وفيهم المسلم تبعاً لأبويه، ومنهم حديث العهد بالإسلام.
المشكلة دائماً هي الثنائية في الحكم، فإن لم يكن معي فهو ضدي، والكثيرون في العالم انتقدوا مقولة الرئيس الأميركي جورج بوش (من ليس معنا فهو ضدنا)، وللأسف الكثير ممن انتقدوها يمارسونها دون أن يشعروا، فإما أن أكون مع الحكومة في الصواب والخطأ، وإما أن أكون ضدها في كل شيء، وهذه الثنائية هي الإشكال، لكن نحن مع الحكومة في الصواب وننصحها أن تترك الخطأ، هذا منهج دار المصطفى، وقد زارنا فخامة الأخ الرئيس علي صالح منذ مدة قريبة، وقبلها قام بزيارات عدة – جزاه الله خيراً – وجلسنا معه وأثنينا على ما نراه صواباً في منهجه وانتقدنا ونصحنا بما نرى أنه يحتاج إلى نصح، ورأينا منه سعة صدر في الاستماع إلينا وتقبلاً لما نطرحه. وأرى أن هناك مشكلة انتشرت في الستينيات، وصارت في تصاعد وهي النظر إلى الحكومات على أنها خطأ حتى يتبين العكس، والمعارضون على صواب حتى يثبت أنهم على الخطأ، وهذا تعميم غير صحيح، فكيف يكون كل من وافق الحكومة على باطل وكل من خالفها على صواب، إن الحكومة المسلمة التي لم يظهر من صاحبها كفر بواح لها علينا حق السمع والطاعة في غير معصية الله، ولها علينا كذلك حق الموافقة في الصواب والنصح عند الخطأ.
أرسل الله سبحانه وتعالى موسى وهارون عليهما السلام إلى فرعون – وكان يدّعي الربوبية – ومع ذلك فقد أمرهما باللين: {فقولا له قولاً ليّناً لعلّه يتذكر أو يخشى}، مع أن الله يعلم أنه لن يتذكر ولن يخشى، ومع ذلك أمرهما بالذهاب إليه والإحسان في التعامل معه واللين في القول له.. لذا فالاعتراضات من هذا القبيل موضع نظر لأن القرآن يخالفها. وإذا تربى الجيل على رؤية أن الحوار مع الآخر لن يفيد فسيكون هذا الجيل مهزوماً، لأن الجيل الذي لا يعرف غير لغة القوة جيل مهزوم، يفتقد المبدأ الذي يدافع عنه بالفكر والحضارة والثقافة والرسالة التي يوجهها للعالم، فإذا اقتصرنا على لغة السلاح فقط فمعنى هذا أننا أفلسنا. لأن القوة العسكرية المطلوبة إنما تطلب للدفاع عن الفكرة والحقيقة، لا أن تكون بديلة تحل محل الفكرة والحقيقة حيث يكون السقوط الذي يريده لنا الأعداء اليوم.
أوجد الله عز وجل التنوع بين البشر بل في الكوكب الذي نعيشه من ليل ونهار وارتفاع وانخفاض، وبسبب الاختلاف البشري شرع الله تنوع الاجتهاد في فروع العقيدة وأصول الفقه وفروعه، وهذا أحد معالم صلاحية ديننا وإصلاحه لكل زمان ومكان.. والواقع يقول: لا يمكن جمع الناس على رأي واحد في التفاصيل، فإذا كان الواقع ينفي إمكانية الاجتماع على رأي، وإذا كان التنوع سنة كونية – إن وُجد على وجهه الصحيح أورث الاستيعاب – فمعنى هذا أننا بحاجة إلى التنوع. وإذا قلنا إننا بحاجة إلى التنوع فنحن بحاجة إلى المذهبية والاجتهادات المتنوعة المختلفة.
لكن المعضلة مع الواقع الذي نعيشه اليوم في هذا الصراع القائم باسم المذهبية؛ فالمذاهب لم تورث صراعاً قط في التاريخ، والمتأمل في التاريخ يعلم أن الصراعات التي حصلت وأُلبست ثوب المذهبية لها أحد سببين، إما أن يكون بتدخل السياسة لمحاولة الاستفادة من الاختلاف المذهبي وإيجاد بؤر للصراع من خلال الخلاف المذهبي، أو ضعف في القائمين على المذاهب نفسها أدى إلى التعصّب للمذهب فأورث اصطداماً،. فإن انتفى الضعف لدى القائمين على المذاهب وانتفى كذلك التعصب وإمكانية استغلال السياسة للاختلاف والتنوع المذهبي استغلالاً سيئاً، لن نرى الصورة التي نراها اليوم؛ وكما قال الإمام الشافعي للربيع: (ألا يصحّ أن نختلف ويحب بعضنا بعضا).
هناك أعداء في الخارج ومؤامرات ومن ينكر ذلك يجافي الحقيقة
هناك سنة كونية مفادها أن التدخل الخارجي لا يستطيع التأثير إلا بقدر ما يوجد من ضعف داخلي. هناك أعداء في الخارج ومؤامرات ومن ينكر ذلك يجافي الحقيقة. ولكن من يحمّل العدو والمؤامرة كل المسؤولية فهو متهرب من واقع مواجهة الذات، ونحن نحتاج إلى شيء من نقد الذات. فإذا التفتنا إلى الضعف الداخلي إصلاحاً له استطعنا أن نواجه قوى التدخل الخارجي.
أعتقد أن إلقاء مسؤولية إصلاح الضعف الداخلي على العلماء وحدهم نوع من الهروب من الواجب، فهي مسؤولية مشتركة بين العلماء والحكام والمثقفين ورجال الأعمال والقيادات التنظيرية والتنفيذية والإعلاميين، وكذلك بين شرائح المجتمع المختلفة، فهؤلاء أسس ولَبِنات لا يمكن أن تنهض الأمة بدونهم. فإذا صحّ لهؤلاء أن يؤدوا رسالتهم وصحّ للمجتمع أن يتكامل تمت معالجة الضعف، فهي رسالة مشتركة.
أختلف معك قليلاً، فالعلماء العاملون المثقفون المتبصرون الربانيون يملكون النظرة الثاقبة في الشريعة ليستخرجوا منها العلاج للواقع، والتجار الذين يديرون الأموال ودفة الاقتصاد، والمثقفون في مختلف العلوم الإنسانية، وأصحاب القرار في العالم الإسلامي، يملكون رؤية واضحة للواقع أكثر من العلماء، فالعالِم بحاجة إلى أن ينصت إلى الاقتصادي ليفهم الوضع الاقتصادي جيداً، ثم يأتي من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وكلام أهل العلم بما يمكن أن يعالج أو يرتقي بهذا الوضع، وكذلك يستمع العالِم إلى الحاكم ليقرر له الواقع السياسي فينظر إلى الواقع بعين مستوعِبة، وليس من خلال كوّة مسجده فقط، وعلى الإعلامي أن يوصل هذه الرسالة بطريقة واضحة.
إذا أردنا النظر إلى المسألة بشكل مبدئي يمكننا أن نقول ذلك، ولكن قد يأتي شخص آخر ويرى أن المشكلة في الإعلاميين لأن العلماء يحاولون عمل شيء ما، ويأتي الإعلاميون ويشوهون رسالة العلماء، وقد ننظر من زاوية أخرى ونرى أن المشكلة عند التجار الذين يبيعون المبادئ عندما يتوهمون تضاربها مع مصالحهم. وقد نقول: إن البداية من الحكام لأن القرار بأيديهم، فماذا يستطيع العلماء أن يفعلوا والإعلام والشرطة والأمن والمضايقات السياسية أمامهم؟
فلنخرج من قضية البحث عمّن نحمّله المسؤولية إلى مرحلة يتحمل فيها كلّ منا مسؤوليته من مكانه، كأن يبدأ المتحدث بالالتفات إلى شريحة العلماء والدعاة ويقول: نحن المسؤولون، وكذلك السياسيون يقولون: نحن المسؤولون، فبدلاً من أن أقول: أنت المسؤول.. أقول: أنا المسؤول، فإذا رسخت لدينا (ثقافة أنا المسؤول)، وأضيفت إليها ثقافة البحث وعدم الارتجالية والتسرّع في التصوّر وبالتالي المعالجة فسنرى أثراً كبيراً.
رئيسة أحد الاتحادات: لأول مرة في حياتي أحس فيها أنني يمكن أن أؤمن بوجود الله
هنا ثلاث نقاط ارتكاز للحديث حول حوار الدنمارك:
الأولى: هي الثمرة، والحمد لله كانت الثمار أفضل مما كنا نرجو، فقد انفتح باب لتوضيح شيء من نظرة الإسلام. ولو لم يكن من الثمار إلا أن مجلس الشباب الدنمركي الذي يعد مظلة الاتحادات الشبابية في الدنمارك هو الذي قام بالرد على الاجتراء الثاني الذي حدث من شبيبة حزب الشعب الدنمركي وهددوه بالمقاطعة إذا استمر في فعل مثل ذلك، لكفى. ومن الثمار الجيدة زيارة وفد من الدنمركيين أبوظبي وعقد حوار آخر انصرف عدد منهم منه وهم يبكون ويقولون: لم نكن نعلم أن الإسلام كذلك.. حتى قالت رئيسة أحد الاتحادات: لأول مرة في حياتي أحس فيها أنني يمكن أن أؤمن بوجود الله.. كذلك قيام مجموعة من شباب المسلمين منهم من ولد في الدنمارك ومنهم من اعتنق الإسلام من أبناء الدنمارك في الصيف الماضي بزيارة دار المصطفى في حضرموت للدراسة في الدورات الصيفية. وفي هذا العام سيأتي عدد مضاعف منهم. ومن الثمار أيضا تجاوبُ جامعة كوبنهاجن ومنظمة مجلس الشباب الدانمركي مع مؤسسة طابة للدراسات الإسلامية في أن يكون هناك تواصل مستمر لتحسين حالة المجتمع المسلم هناك ولفتح أبواب التعاون في سبيل تحقيق استقرار المسلمين في الدنمارك .
الأمر الثاني: نؤكد هنا – بعد ذكر الثمرة – على أن الثمرة المباشرة ليست شرطاً للإقدام على الحوار، لأن الثمرة من عند الله عز وجل، فلا يتأتى أن نقول: إن نوحاً عليه السلام لم تثمر دعوته لأنه مكث أكثر من 950 سنة ولم يتجاوز عدد من أسلم معه المائة، مع أنه من أولي العزم، بينما يونس عليه السلام الذي أسلم على يديه أكثر من مائة ألف في يوم واحد لم يكن من أولي العزم؛ فالمقياس ليس الثمرة المباشرة وحدها، ولكن السؤال الذي ينبغي طرحه: لماذا ذهبتم؟ وما المقصود من الذهاب؟ وما الذي تم هناك؟ فالمطلوب منا إتقان العمل والثمرة تأتي من الله سبحانه وتعالى..
والأمر الثالث: عتاب يسير على وسائل الإعلام التي صورت القضية وكأنها اختيار من الأخ الأستاذ عمرو خالد والدكتور طارق السويدان والفقير إلى الله، وكأن هذا الاختيار كان شذوذاً عن جماعة علماء المسلمين. وهذا لم يكن صحيحاً، فنحن ذهبنا بعد المشاورة مع كبار علماء الأمة (سماحة مفتي مصر، وسماحة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي المرجع الإسلامي الكبير وسماحة مفتي سورية، وسماحة الشيخ عبد الله بن بيه عضو مجمع الفقه الإسلامي ونائب رئيس اتحاد علماء المسلمين ونائب رئيس مجلس الإفتاء الأوروبي)، بل تشاورنا مع عدد من العلماء من مختلف الطوائف، وقرار السفر إلى الدنمارك كان برؤية أستطيع أن أقول إنها رؤية الكثير من كبار العلماء.. اختلف معنا بعض كبار علماء الأمة الذين نحترمهم أيضاً، ولكن الاختلاف على هذا الوصف الذي هو قائم على التنوع في ميادين العمل هو سنة حسنة وليس خطأ، والإشكال يكمن في أن ثقافة التنوع لا تزال منخفضة عندنا كأمة، بل عندنا كطلبة علم ودعاة في كثير من الأحيان، والمسلمون يسعى بذمتهم أدناهم، ثم إننا لم نذهب كمفاوضين، إذ لابد أن يكون لدينا تفويض ممن نفاوض عنهم، وبالتالي ستصبح نتائج المفاوضة ملزمة للطرفين؛ لكن الحقيقة أننا ذهبنا محاورين ولم نكن أول من ذهب أو آخر من ذهب ومازلنا مستعدين للذهاب.
وجهت الدعوة المفتوحة عبر وسائل الإعلام إلى مراجع التوجه السلفي
عندما تسأليني عن الأفكار سأجيبك.. أما سؤالي عن الشخص وما يفعله وما يقوله، فقد قررت ألا أرد عليه ولا على غيره ممن أخذوا منحاه، لأن هذا لا يسمى حواراً بل (شجار)، ولا أملك الوقت لمثل هذه الأمور، فأمامنا أمة تحترق ومنهج نبنيه. ومن ذكرته ليس وحده، فهناك صف بجانبه ممن أخذوا الأسلوب القائم على القص واللصق، والحذف ومحاولة تغيير الصورة وتشويهها، ولم يقتصروا على الفقير إلى الله علي الجفري بل وجّهوا هذه الاتهامات إلى كل من أظهره الله في مجال من مجالات الدعوة فقائمة الذين كفروهم أو اتهموهم بالضلال تشمل الأستاذ عمرو خالد ود. طارق السويدان والشيخ سلمان العودة والشيخ عايض القرني بل شملت كبار العلماء أمثال الشيخ الشعراوي والشيخ البوطي والشيخ محمد الغزالي والشيخ الصابوني بل وصلت إلى أئمة المسلمين كالإمام أبي حنيفة والحافظ ابن حجر والقاضي عياض والإمام النووي والسيوطي.. الخ. ولو بحثت عن الإجابة والمناقشة مع كل من جعل الهدم مشروعه لذهب الوقت دون بناء.. ولذا فقد وجهت الدعوة المفتوحة عبر وسائل الإعلام إلى مراجع التوجه السلفي الذي ينتمي هؤلاء إليه، حيث وجهت الدعوة إلى فضيلة الشيخ صالح آل الشيخ، وزير الشؤون الإسلامية في المملكة، على اعتبار أنه سليل المدرسة السلفية، كما وجهت الدعوة إلى سماحة الشيخ صالح بن حميد إمام الحرم المكي الشريف على اعتبار أنه فقيه حنبلي عاقل أستطيع إذا جلست معه أن أجد قاسماً مشتركاً في التعامل، أما هؤلاء الذين يثيرون البلبلة فليس لديّ استعداد لأن أضيع وقتي معهم.
هذا صحيح، لا أريد دفع الشبهة عن نفسي لأني أدافع عن منهج لا عن نفسي، وهو تكلم عن شخص والشخص غير مستعد لأن يدافع عن شخصه، وإذا جاء الكلام عن منهج فأدعو كبار المنهج اليوم إلى التحاور، أما الأفكار المتضمنة فمن أراد أن يسأل عن الأفكار كأفكار فمن واجبي أن أبين له ما أراه صواباً وما أراه خطأ، وقد قام مجموعة من طلبة العلم في المملكة العربية السعودية بتسجيل شريط اسمه (كشف الستار عن مدعي الحوار) أوضحوا فيه أوجه الغش والخداع في النقل كما جمع الشيخ حبيب السلامي كتاباً بعنوان ’الجفري في الميزان‘ ناقش فيه أولئك نقاشاً علمياً.. وأنْ يختلف أحد مع أحد في الرأي وأن يرى أحد أن الآخر على خطأ ويهاجم هذا الخطأ الذي يقع فيه، فكل هذا شيء حسن وإيجابي، لكن أن يبيح طرف لنفسه الكذب والقص واللصق وتصوير صورة على غير وجهها للناس لاستدرار عواطفهم بالمؤثرات الصوتية فالرد على هذا مضيعة للوقت.
وأتساءل: أين مشروع هذه الأمة لو لم يكن هناك دعاة ينشغلون بالهجوم عليهم؟ فلو تابعنا سنجد أن هؤلاء ليس لديهم مشروع للأمة سوى التتبع، فهذا متخصص في علي الجفري، وآخر في عمرو خالد، وآخر في د. طارق السويدان، وآخر في د. عائض القرني، وآخر في د. سلمان العودة، وآخر تخصصه أكبر فقد جمع المجموعة كلها في صندوق وأخذ ينتقدها ويصدر الأحكام عليها، فهناك أناس مشروعهم تتبع الآخرين، وهناك أناس مشروعهم خدمة الأمة وأرجو أن يقبلني الله في النوع الثاني، ولست مستعداً أن أتحول إلى النوع الأول.
إذن ثقافة رفض الحديث الضعيف بدعة
التوسل أوضحته من قبل في أكثر من لقاء، أما عن الحديث الضعيف فهذا من اللبس، ويؤسفني أن أسميه جهلاً في عصرنا، فقضية رفض نشر الأحاديث الضعيفة بين الأمة حتى صار يتراءى في عقول الناس أن كلمة حديث ضعيف معناها أنه لم يقله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه لا يجوز الأخذ به، فهذا تضليل للناس، والذي عليه جمهور المحدثين هو أن الحديث الضعيف يؤخذ به في فضائل الأعمال وفي السيرة كما يؤخذ به في الأخلاق والتاريخ، بل ذهب الإمام أحمد بن حنبل إلى الأخذ بالحديث الضعيف في الأحكام التي لم يرد فيها حديث صحيح بضوابط محددة، فالشطب على الحديث لأنه ضعيف بدعة لم تكن موجودة لا عند المحدثين المتقدمين ولا المتأخرين في الغالب.
إذن ثقافة رفض الحديث الضعيف بدعة، أما الحديث الموضوع فلا يقول به أحد ولا يتقبله، لكن الحكم على حديث معين بأنه موضوع هي مسألة كثيراً ما تكون محل اختلاف بين أهل الاختصاص فلا يلزم الجميع برأي طرف فيها.
مللت الرد على هؤلاء، وأرى أن هذه المقابلات ينبغي أن تكون فرصة لتقديم منهج من خلال طرح أسئلة، فهذه ليست قضية وهؤلاء يريدون أن يحولوني إلى شخص مهمته التناوش معهم فإذا ذكر الاسم يخطر في البال التوسل وقبور الأولياء والصوفية.. الخ، ولا أريد ذلك، فليكفروني كما يشاؤون وليقذفوني بالشرك كما يشاؤون، فلنا يوم القيامة بين يدي الله وقفة؛ وقد ذكرت دعوتي إلى الحوار على مستوى المراجع وليس مع هواة الصراع، وإذا اقتنع أحد برأيهم فليقتنع. ولكن لن نقبل الاستدراج إلى المعارك التافهة دعونا نعمل فلدينا مشروع وعندنا أمة تحترق وبنية متهدمة، والبنية التحتية للعمل المؤسسي الإسلامي شبه غائبة، وأمامنا مهمة الصياغة الفكرية للتخاطب مع الآخر وقبلها أو معها الحوار الداخلي وهي تكاد تكون مفقودة.. فلنتكلم عن القضايا الحقيقية للأمة.
كلمة الرقي في صدق البحث عن مرضاة الله في كل شيء
الرقي أصله وجود عشق الرقي في نفس الإنسان، فكلما ارتقى الإنسان عشق الرقي، وهو منهج رباني، فبالنسبة للتوحيد يكون الرقي فيه بإفراد الله تعالى في العبادة، ومعناه أن أكون رقيباً على نفسي فلا يكون هناك شيء يبذل من نفسي لغير الله رياء أو سمعة أو التفاتاً إلى حب المنزلة بين الخلق. أما الرقي في الفكر الإسلامي هو أن أبحث عن تطبيق أوامر الله عزّ وجلّ لأعيش معنى عبوديتي لله، فأبحث عن كلام الفقهاء في سنن الصلاة وأركانها ومبطلاتها حتى تكون صلاتي أرقى وأقرب إلى الله عز وجل، وفي بيعي وشرائي أبحث عن الحلال في البيع والشراء كما أبحث عن المباح، والزيادة على المباح أن أبحث عن الأفضل فأترك مائة ألف درهم لآخذ درهماً حلالاً، كما أبحث عن كيفية نفع غيري في معاملتي المالية مع انتفاعي كشخص.. أما الرقي في السلوك والأخلاقيات فيكمن في البحث عن الأخلاق لأنها مرضية لله لا أبحث عنها لتسويق أكثر أو لنيل مكانة بين الناس أكبر، فإذا أردنا أن نلخص كلمة الرقي في سائر مناحي الحياة هو أن نبحث عن رضا الله عز وجل، وأن نبحث عن الذي يثمر في القلب ذوق الصلة بالله عز وجل، ونبحث أين مرضاة الله فيما أفعل لذا ألخص كلمة الرقي في صدق البحث عن مرضاة الله في كل شيء.
هذا مشروع كبير، فإنْ كان على مستوى الفرد فهو الأخذ بمنحى السير إلى الله في تطبيق الأمر الربّانيّ بالتخلي عن الصفات التي لا يرضاها الله ظاهراً وباطناً والتحلي بالصفات التي يرتضيها سبحانه، والبحث من وراء ذلك عن ثمرتها في القلب دائماً، فنتصدق مثلاً ونبحث عن ثمرة الصدقة في القلب ماذا أورثت فيه.. ونقوم بمشروع ينفع أمتنا ثم نبحث عن ثمرة هذا المشروع في حالنا مع الله عز وجل، وماذا أثمر في القلب والباطن، لأن هذا سيفيد في مضاعفة أثره وثمرته.
أما على مستوى الأسرة فالرقي فيها أن نبحث عن ذوق التكامل في البذل كميدان للتنافس في نيل رضوان الله، وهذا هو إشكالنا على مستوى الأسرة، إذ يتنافس الغالبية على أخذ الحقوق، ولكن المطلوب العكس وهو التنافس بيننا في البذل لنيل رضوان الله تعالى، فالزوج يكون أفضل من زوجته إذا بذل لها أكثر مما تبذل له، وهي تكون أفضل إذا بذلت له أكثر مما يبذل لها، وهما الاثنان أفضل إذا بذلا لأولادهما أكثر مما يبذلون لهما، والعكس كذلك.. فيتحول مفهوم التنافس من تنافس على الأخذ إلى تنافس على البذل، هذا هو الرقي الذي ينبغي أن ننشده ونحققه على مستوى الأسرة،. والرقي على مستوى الرحم والعائلة هو أن يبذل الإنسان للآخرين ويقلل متطلباته.. وبعد ذلك يتسع أثر الرقي إلى المجتمع ومن ثمّ يؤدي إلى رقي الأمة، فالإنسان الراقي هو الذي يكون لبنة صالحة للأمة الراقية.
حتى الآن يمكن القول بأن هناك مساحة أكبر من الحرية في الغرب، فكلنا يعلم أنه في بعض الدول الإسلامية لا يستطيع فيها العالم أن يعقد درساً لخمسة أشخاص في مسجد دون أن يُلاحق أو أن يؤذى. ولكن هذه المساحة بدأت تضيق في ظل ما يسمى بالحرب على الإرهاب.
أرى أن الأمة في مرحلة ما قبل الفجر
أرى أن الأمة في مرحلة ما قبل الفجر، وإن ظلمة الليل تكون أشدّ حلكة قبل الفجر، فشدة المآسي التي تعيشها الأمة وتعاني منها، هي مؤشر بقرب خروج الأمة من النفق المظلم قريباً بإذن الله.