لابد وأن نشخص المرض لكي نصل إلى الدواء ومرض الأمة الإسلامية يكمن في فقدانها لمهمتها الأساسية والأصلية ألا وهي هداية العالم وهذه المهمة ملقاة على الجميع وليس فقط على الدعاة هي مهمة ملقاة على كل مسلم وفي كل التخصصات الغني والفقير وأسس أداء هذه المهمة هي ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من رسالة سماوية عليا هدفها إصلاح شأن الإنسان وأعمار الدنيا ولكي تحقق الأمة الإسلامية هدفها لابد وأن ترجع إلى الطريق الصحيح الذي يردها إلى مهمتها الأساسية وإلى هداية الناس في جميع أنحاء العالم إذا تحقق ذلك سيكون للمسلمين شأن عظيم بين سائر الأمم.
من الضروري أن يفقه الداعية تفاصيل الواقع ليس بالوقوع فيه وإنما بالسعي إلى انتشاله إلى ما ينبغي أن يكون ولكي يصل الداعية إلى هذا الهدف لابد وأن يمتلك المقومات التي تمكنه من أداء المهمة وأن يرتفع بوعيه وعلمه وخلقه إلى المهمة التي حددها الله لنا وهي هداية العالمين.
هناك إحصائية نشرتها جهات أمريكية تفيد أن 70 أمريكيا يدخلون الإسلام يوميا ماذا يعني ذلك ؟ يعني أن الإسلام ينتشر في أمريكا وفي غيرها من البلدان وفي غيرها من التكتلات العالمية ولو أدركنا ذلك بعمق لعملنا في اتجاه انتشال واقعنا الى ما ينبغي أن يكون. وانتشال الإنسان في كل مكان من الواقع الذي هو فيه.
المشكلة أن (الغربي) يرى أن المسلم الملتزم هو من يبتعد عن الحرام ويحافظ على أصول دينه فقط دون ان تكون له مهمة في عالمه المحيط به وهذا المفهوم الضيق ينبغي أن يتسع بحيث نخرج الناس من ضيق الدنيا إلى سعتها ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
والأمر الثاني ان الدعاة الذين يتوجهون بالخطاب الديني إلى الغرب ينبغي ان يكونوا مدركين وبعمق الأوليات وأسس الدعوة الإسلامية وكيف يطرحونها بحيث لا يدخلون في مناطق الاجتهادات التي تظهرهم في صورة المتخلفين وإنما يركزون على القضايا التي هي محل اتفاق تام.
والأمر الثالث هو أن التعامل مع الغرب يحتاج الى نوعية خاصة من الدعاة الذين اخذوا العلم من مصادره الصحيحة والذين يدركون حجم التفاوت بين تكوين وثقافة الإنسان العربي والإنسان الغربي، وحبذا لو كان هناك اعتناء بتجهيز دعاة من أبناء الغرب المسلمين أو من الذين أسلموا فهم الأقدر على فهم طبيعة أبناء المناطق التي يعيشون فيها ومن ثم يصبحون قادرين على نشر الدعوة الإسلامية بلغة أبناء المنطقة فهم أدرى بمن فيها.
الناس في هذه القضية توزعوا في ثلاثة اتجاهات :
فريق تطرف وقال بأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يستعمل هذه الأدوات وبالتالي نحن لا نستعملها وهذا القول غير صحيح، لأن الله أباح لنا توظيف كل نافع لخدمة دينه وهو الذي سخر لنا هذه الأدوات الحديثة لكي نستخدمها في هداية الناس.
وهناك فريق تطرف وقال ان الأساليب القديمة للدعوة الا سلامية انتهت ولم يعد هناك سوى الاعتماد على الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة وإلغاء دور الدعاة وهذا أيضا غير صحيح.
والأمر الوسط هو ان يقوم الدعاة بتوظيف كافة الأدوات الحديثة التي لا تتنافي مع الشريعة في خدمة الإسلام ونحن لدينا موقع على الانترنت وشبابنا يعملون في هذا الاتجاه المعتدل الذي يتعامل مع الآلة باعتبارها آلة ووسيط ويتعامل مع الإنسان باعتباره إنسان وليس آلة.
في هذه القضية أيضا هناك ثلاثة اتجاهات:
اتجاه لا يرى إلا أن الإسلام سيف ينبغي أن يحارب الكفار. وهذا غير صحيح لأن الإسلام هو أن نحارب من يحاربوننا فقط (الكفار الحربيين).
والصنف الثاني حاول أن يبريء الإسلام من ساحة الإرهاب عن طريق الدعوة الى تجريد المسلمين من كل عناصر القوة ومن الجهاد وهذا غير صحيح، لأن القوة سبب لحماية المسلمين بل البشرية من الأعداء، فأميركا تمتلك قوة نووية ضخمة تبررها بأنها وسيلة لحماية الأمن والسلام، نحن أيضا بحاجة الى القوة لكي نرهب بها عدو الله فلا يعتدي علينا.
وهنا نقول أن كلا الاتجاهين خطأ، من يقول أن الإسلام دين حرب فقط أو من يرى تجريد المسلمين من عناصر القوة، والصحيح هو ان القوة وسيلة لتأديب من يخرج على الحق، وإلا ما فائدة الشرطة والمحاكم والقضاة والسجون، إنها وسائل لحماية المجتمع من المارقين والخارجين على القانون, ولكي نصل إلى المجتمع السليم، ولكي نقدم صحيح الإسلام علينا أن نقول بأن الجهاد لا يعني القوة فقط ، بل أن القوة المسلحة هي آخر الأدوات, وهناك جهاد النفس، وهناك الانضباط الذاتي, ودفع الأذى بالتي هي أحسن.
سؤالك هو مفتاح لكل ما سبق، إذا صح التزام الإنسان بتعاليم ربه, ولم تختلط عليه المفاهيم والتزام بآداب الرسول (صلى الله عليه آله وسلم ) من عدم التكبر على الآخرين، أو عدم الأذى والسعي إلى الخير، فإنه يحمي نفسه من شرور نفسه, انظر إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو يدخل القدس متواضعا في ثوب مرقع ، وهو الذي خبر الثياب الغالية، المرفهة, ويصطحب معه خادمه فلا يعرف قادة الروم أيهما عمر, لكنهم يعرفون في كتبهم أن من سيفتح القدس سيكون رجلا يرتدي ثوبا مرقعا، ولو لا ثوب عمر لما تم فتح الأبواب التي لم يخطر على باله أنها سوف تفتح بهذا الأسلوب، وأخيرا فالقضية هي كسر حاجز الاعتماد على الأسباب.
إذا عدنا إلى الواقع سنجد أن الخطاب الديني يؤثر في الناس أكثر مما تؤثر الصور التي تتحدث عنها في سؤالك، فالهدف هو تغيير الواقع وليس تمييعه أو الصدام معه وإنما ترقيته, وقد خضنا تجربة مع الشباب مختلفي الجنسيات، ومتعددي اللغات، استمعوا إلى حديث ديني مبشر بالخير، ملتزم بنهج القرآن والسنة، وتأثروا ولذلك أقول أنه لو جرى استخدام وسائل الأعلام بصورة جيدة، وفي إطار مقومات الرسالة الإسلامية سيتحقق الهدف وهو هداية الناس، ودفعهم في الطريق القويم.
مشكلة التطرف ليست مقتصرة على جماعة محددة، وعلينا أن نعترف بأن هناك أعمالا فنية لا تمت إلى الفن بصلة، ولا تمت إلى الأخلاق، وهذه أعمال متطرفة تضر المجتمع، بينما الفن الراقي والمحترم والملتزم يفيد في الدعوة الإسلامية.
ربما لأن الفنانين وجدوا تجاهلا لبشريتهم من كلا الفريقين اللذين يتعاملان معهم. هناك من يصفق لهم حتى على أخطائهم، وينبهر بمظاهرهم، وهناك اتجاه آخر يغلق أمامهم أبواب الجنة، وأبواب الرحمة والتوبة والعودة إلى الطريق الصحيح، ولقد قال لي بعض أحد الفنانين بعد حضوره مجلسا (( إن الله جميل ))، وكأنه يكتشف شيئا جديدا، والفنان إنسان إذا وجد من يخاطب نوازع الخير في داخله وليس من يرهبه، والفنان إذا توفرت لديه الشفافية والصدق يكون أسرع من غيره في الاستجابة.
منهج الوسطية الصحيح هو الإسلام، وليس أن نطوع الإسلام لكي يكون وسيطا بين الحق والباطل، فمنهج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في التعامل خلقا وأدبا هو الذي نلتزم به، ولا نحيد عنه، لأنه يناسب طبيعة البشر السليمة كما فطرها الله لكن أن نفهم الوسطية باعتبارها تبريرا لباطل فهذا لا يتفق مع دين الإسلام.
ولعلنا نرى اليوم المرأة تسير شبه عارية، وثمة من يقول يكفي أن تستري بعض جسمك على ان هذا هو الحكم الشرعي ، وليست هذه الوسطية من الممكن أن يقول لها هذا الكلام من باب التدرج ليوصلها إلى الحجاب الشرعي لا على أن هذا هو الحكم الشرعي وعلى سبيل المثال في المجتمعات، فالمجتمع المسلم في أوروبا مثلا تسير فيه النساء سافرات بحكم طبيعة المجتمع، هنا نقول لها لا تتزيني في الشارع ولك أن تعملي برخصة كشف الوجه واليدين، في حين أننا نقول للمرأة المسلمة في المجتمع العربي الملتزم بأن تحرص على الحجاب كاملا.
إن غياب تعدد الزوجات بالطرق الصحيحة يؤدي إلى مشكلات بالجملة من بينها الزواج العرفي وخلافه، فالله لما أجاز تعدد الزوجات لم يكن عبثا، فالناس متفاوتة في مشاعرها ورغباتها وثقافتها، ولم يتواجد مجتمع ككل اقتصرت فيه العلاقة على الرجل وزوجته فقط، ابتداء من المجتمع الكافر الذي لا يجيز دينه تعدد الزوجات، الرجل له عشيقة وعشيقتان وثلاث، عندنا في المجتمع الإسلامي أناس لهم حاجات ورغبات، وهم يبحثون عن وسيلة حلال لقضاء الحاجة وتلبية المشاعر، فيجدون الزواج العرفي او المسيار في حين أن الحل واضح وهو تعدد الزوجات بالأسس الصحيحة، حيث لا يظلم الأولى ولا يضيع حقها، والإسلام هو دين التوازن، إذ لا يسمح بوقوع الضرر أو الظلم على الزوجة الأولى بوجود ( ضرة ) لها فهو يكفل لها حقوقها، كما أن المرأة الأخرى ما كان لها أن تعيش بدون زوج، وبخاصة أن أعداد النساء أكثر من أعداد الرجال.
هذا جانب آخر، ويرجع إلى عدم قيام الأسس الصحيحة للإسلام في المجتمع، فالمقومات السائدة اليوم للزواج هي السبب في تعقيد الأزمة، فالأسرة تبحث لإبنتها عن زوج ثري، وابن عائلة، ولديه مكانة اجتماعية، في حين أن الزواج يتم بأبسط المقومات وهناك أيضا التقليد الأعمى فالعروس تريد الزواج مثلما تزوجت ( فلانه ) وهذا يكلف مالا كثيرا والشباب في مقتبل العمر ليس لديه الامكانات وتحصل بالتالي المشكلات المعروفة فما من بلد زادت فيه المهور إلا وزاد فيه الزنا والعياذ بالله.
القدوة موجودة ولكنها غيبت, ونحن نطرح قدرا من اللوم على وسائل الإعلام التي انشغلت عن إبراز القدوة أمام الناس, لكي تزرع فيهم الأمل فالقدوة موجودة, لكن الإعلام الذي يروج صورة محددة للإنسان الملتزم باعتباره المكتئب والمتزمت والمعقد هي صورة غير حقيقة, ولا تشجع الناس على الإلتزام بل أن القدوة صارت نشازا أو أصحابها غرباء عن المجتمع.
الله خلقنا لكي نكون عبيدا له أحرار عن عبادة غيره ولو أنفسنا, لكن الذين يتحدثون عن الحرية في الأدب والفن ينتهون إلى العبودية لأنفسهم, فالحرية هي الإلتزام والأدب ليس غاية في ذاته ، الأدب وسيلة لإيصال الناس إلى غاية, فإذا صارت الوسيلة غاية حدث تخبط وارتباك في المفاهيم, فالفنان يكرم لأنه فنان يتقن فنه وليس لأنه يوصل مضمونا رفيع المستوى, وبهذا المعنى ينبغي أن يكرم اللص أو المحتال فكلاهما يتقن عمله, أننا نخلص الأمر في ضرورة احترام القيمة الأخلاقية في أي عمل إبداعي, الإلتزام بالقيم السماوية العليا. واللافت هو أن من يتقن عمله وفنه وإبداعه هو الإنسان المسلم الملتزم، وَعُد إلى التاريخ ستجد ذلك واضحا.
لا أتحدث عن أشخاص, فالقاعدة هي أن كل عمل أدبي يغرس قيمة عليا في الناس هو عمل مفيد, أما ما يشجع الناس على المعاصي فهو حرام، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان يطلب من الشاعر حسان بن ثابت أن يلقي القصائد، وهذا ابراز لدور الإبداع الأدبي في نشر الدعوة الإسلامية.
وأود أن أقول جائزة نوبل لا تعد بالنسبة لنا شهادة على حسن سير هذا المبدع أو ذاك, فهذه الجائزة حصل عليها نجيب محفوظ وحصل عليها يهوديصهيوني وحصل عليها رجل سلام وغيرهم، أن معاييري هي المعايير الإسلامية وليست معايير وضعها الغرب والتي تناسب واقعهم وأفكارهم.
هذه المعايير لم يضعها المجتمع الإسلامي وإنما وضعها الغرب، لذلك لا أهاجم نجيب محفوظ ولا أؤيده, لأنني غير مطلع على تفاصيل المشكلة, لكنني أضع القواعد.
والقاعدة هي إذا كان الإبداع في ذات الفن وجه لخدمة الغاية فهو نافع, وكل إبداع يتجه في تضاد مع الغاية يكون مثل إبليس الذي أبدع في غواية الناس.. هناك شعراء السلطان، وشعراء المجون, ومثل هؤلاء يخالفون قواعد الشريعة الإسلامية.
واللافت للانتباه هنا هو أن أسلوب تصحيح الموقف يكون بالإقناع, إذ يمكن الاتصال بهذا المبدع والحوار معه، والوصول إلى تصحيح لموقفه ان اخطأ, وبهذا نكسب مبدعا بدلا من أن يكسبه أعداء الإسلام.
لا أرى ذلك، وأعتقد أنه من الضروري أن يخرج توظيف هذه الأدوات عن أسلوب الصفقات الإعلامية أو الضربة الصحفية, ينبغي أن تكون هناك استراتيجية طويلة المدى، لا أن يصحوا الإعلام فجأة ثم ينام فجأة، هذه مهمة تهييجيه، في حين أن مهمة الإعلام تربوية, ينبغي أن يلعب الإعلام دورا في حشد الناس لإتخاذ موقف مناصر لإخوانهم.
انظر إلى ( وقتية ) الإعلام في التعامل مع الإنتفاضة الفلسطينية فالإنتفاضة الأولى صاحبها هوجة إعلامية عربية ثم خمدت, وأخشى أن يحدث ذلك في الإنتفاضة الحالية.
ولا أنا ضد المصطلحات القومية، فنحن أمة إسلامية، ولا أؤمن بقيام كيان عربي مستقل عن الإسلام فالكيان العربي مقوماته فرد لا أمة وأن الحديث عن وحدة عربية هو سبب مشاكل العرب، واحد أسباب العجز عن الحل، فقبل الإسلام كان العرب كأفراد يتسمون بالشجاعة والكرم وغيرها من الصفات الحسنة ولكن لم تكن لهم قيمة في وسط الأمم، وحينما أسلموا صارت كلمتهم هي العليا، وكلمة من اصر على السوء من الروم والفرس هي السفلى، معنى ذلك أن الإسلام هو الذي أعز أمة العرب، وهذا ما ينبغي أن نتمسك به، فعندما نتحدث عن العالم الإسلامي ككل سنجد الحلول في التكامل والتضامن.
أخبرنا الحبيب (صلى الله عليه وآله و سلم) أن الأمم سوف تتداعى علينا في يوم من الأيام، ولم يكن ذلك لقلة عددنا، وإنما لأن كثرتنا عديمة الجدوى، وإذا كان الغرب يخطط للعداء لنا فهذا أمر طبيعي، وإن كان غير مستحب، هل تنتظر إحسانا من دار الكفر، أن السلام القائم حاليا مع الغرب هو سلام مصانعة أو هو هدنة وقتية، لكن الإشكال ليس في كونهم معادون لنا بل ماذا فعلنا لأداء مهمتنا تجاههم وهي هدايتهم أن الردع يعني أولا امتلاك القوة حتى لا يفكر الآخر في الغدر بك، وهناك مسألة أخرى هي أن الإنسان مخلوق اجتماعي اما مؤثر أو متأثر، وهذا يعني أن نحاول جذب الغرب إلى دين الإسلام وإلى سماحة الإسلام.
لاشك هناك ملاحظات.. لكن لفهم المشكلة يجب أن نتفق على أنه يجب أن تقوم الدول الإسلامية والعربية بتقديم الدعم والمساعدة، دون أن يشعر الفلسطينيون بأننا نمن عليهم، وهذه مشكلة في الأساس، وهي إن الذي يدعم يشعر بأنه يمن عليهم، يشعر بأنه قدم لفلسطين، وهذا لا نريده أن يقدم، لأن ما تقدمه هو بينك وبين الله، والقضية ليست قضية الفلسطينيين ونحن نتكرم عليهم، ولكن القضية قضية المسلمين جميعا وهذا واجب أوجبه الله عليك، لو حدث هذا الوعي ستختفي المشكلة خاصة إذا آمن كل منا بأن دعم الانتفاضة فريضة على كل مسلم.