الحبيب علي زين العابدين بن عبد الرحمن الجفري واحد من أولئك الذين سلكوا طريق العلم والعلماء لينفذوا ببصيرتهم إلى جوهر الإسلام الحق وما يمثله من استنارة واعتدال، فلا غلو ولا تكفير، فالشيخ الحبيب عندما يحدثك ترى نور الإيمان يشع في الروح لينير العقل بعيدا عن الأحكام الجاهزة التي فحواها يُلقى على عواهنه ليرتد وبالا على الإسلام والمسلمين.«26سبتمبر» التقت الشيخ الشاب المحاضر بدار المصطفى «بتريم» محافظة حضرموت الذي يُعرِّف الناس بماهية الاسلام كداعية اسلامي معتدل موضحاً عظمة نور الإسلام الذي اضاء العالم فكان المسلمون «خير امة اخرجت للناس»، وبه شهدت الدنيا واحدة من أعظم الحضارات التي اشرقت على الأمة الإسلامية.. وفي حوارنا المفتوح معه تحدث دون حواجز عن قضايا الأمة، مبيناً أسباب عثراتها وعدم قدرتها على مواجهة الأخطار والتحديات التي تحيق بها, اضافة إلى توضيحه جملة من القضايا ذات الاهتمام في المرحلة الراهنة.. فإلى نص الحوار:
الحمد لله المسدد والموفق والمعين وصلى الله وسلم على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد.. فلا أرى بما يسمى بسيرتي شيئاً يستحق الذكر، فالفقير إلى الله أقل من ذلك غير أن الله عز وجل قد تفضل عليّ بأني وجدت في اسرة لها اعتناء بالدين والاستقامة, وكان بعض أقربائنا من أهل العلم والدعوة والفضل، وكانت الولادة في سنة 1391هـ الموافق 1971م لقيت في صغري في التاسعة من العمر شيخنا الكبير الإمام عبدالقادر بن احمد السقاف، لازمته في العاشرة ووجدت فيه من الأخلاق والشمائل ماحرك القلب وجذبه إلى هذا المسلك، ثم بعد ذلك لما قرأت في كتب الشمائل تعجبت أن الذي أقرأه قد رأيته سلوكا في ذلك الشيخ الذي ارتبطت به وحضرت مجالسه وقرأت عليه عددا من كتب العلم مع غيري ممن حضر، وأخذت أيضا عن الحبيب احمد المشهور بن طه الحداد الداعية الإسلامي الذي اسلم على يده أكثر من ثلاثمائة ألف شخص تقريبا، وكذا العابد الناسك ابوبكر العطاس بن عبد الله الحبشي والشيخ الفقيه كرامه سهيل وهؤلاء جميعهم من علماء اليمن في حضرموت الذين كانوا في «الحجاز» بالمملكة العربية السعودية بتلك الفترة وأيضا أخذت عن الحبيب الداعية مؤسس الأربطة الإسلامية أبي بكر المشهور الموجود الآن في عدن، فقد كان هناك يؤم الناس في بعض المساجد، كما يسر الله اللقاء بسيدي الداعية المربي العلامة عمر بن محمد بن سالم بن حفيظ أثناء تردده على الحجاز، ثم يسر الله الوحدة وأكرمنا بها مما سهّل لنا أمور العودة إلى الوطن المبارك, عدت إلى محافظة البيضاء ومكثت فيها نحو سنتين في رباط شيخينا الحبيب محمد بن عبد الله الهدار – مفتي البيضاء – لقيت بعد ذلك مفتي تعز الحبيب إبراهيم بن عقيل بن يحيى، ثم عدت إلى« تريم » وطاب فيها الاستقرار بفضل من الله تعالى في دار المصطفى للدراسات الإسلامية.
أما علماء الأزهر لم تكن بيننا وبينهم خلافات، بل على العكس وجدت منهم حسن الأخلاق وحسن الترحاب وسعة الصدر مما أفادني منهم، وهناك علماء كنت خلال ترددي القديم والسابق على مصر قد أخذت عنهم كمثل الشيخ محمد متولي الشعراوي ومثل الشيخ المحدث محمد زكي إبراهيم، من هيئة كبار العلماء في مصر كمثل الشيخ فرحات على حلوه ومثل الشيخ احمد فرحات – إمام مسجد الحسين – وترددت على عدد من كبار علمائهم. وشيخ الازهر زرته نحو مرتين أخراهما في زيارتي الأخيرة لمصر، ولقيت منهم الترحاب وأثنى على الأسلوب الذي نتخذه هناك في مصر وعلى المجالس التي نعقدها هناك، وكذلك مفتي الجمهورية د. احمد الطيب، وكذلك رئيس جامعة الازهر د. احمد عمر هاشم، بيننا وبينهم صلات طيبة بفضل الله حتى أنه تم تسجيل بعض البرامج التلفزيونية مع الدكتور احمد عمر هاشم، والصلة الحمد لله طيبة لأن منهج الازهر متوافق مع منهجنا الموجود في اليمن ومع علماء حضرموت.
قد نختلف مع بعض التوجهات الناشئة والمستجدة لبعض الدعاة الذين سلكوا في مسلكهم العلمي على نحو يخالف الشيء الذي كان عليه الازهر السني في السابق.
أما مسألة الفنانين فهم كغيرهم التجار أو المسئولين أو عامة – عامة الشعب – أو المثقفين أو غير المثقفين هم محل الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، ومن الخطأ أن نجعل الفنانين خطا احمر لا ينبغي الاقتراب منهم، وقد قلنا في أكثر من لقاء صحفي أن الفنانين ضحية من جهة من الجهات وأن الناس ما بين مبغض لهم.. مهاجم لهم.. شاتم لهم.. معطي ضمانة دخول إلى النار بدون تراجع وهذا خطأ، والجانب الآخر يصفق لهم حتى على أخطائهم إلى حد أن يشجعهم على الخطأ إذا ارتكبوه، هم بشر مثل الناس يخطئون ويصيبون عندهم مشاعر مرهفة لو أحسنت التخاطب معهم على أنهم بشر وعلى أن الخير موجود فيهم لوجدت ردة الفعل الطيبة.
هذا الكلام لا أعرف كثيرا منه.. فوجئت أن كثيرا من الناس يشيعون أن هناك خلافات جذرية بيننا وبين الأمن المصري، لا أعلم أن هناك احتكاكا حصل بيني وبين الأمن المصري سوى انه بلغني في الزيارة الأخيرة انه لا ينبغي أن ادخل إلى البلد فرجعت ثم اتصلوا بي في الهاتف وقالوا تفضل أهلا وسهلا.. هناك لبس في المسألة ثم في نهاية الرحلة وقبل أن أسافر بيوم جاءني احد المسئولين من الأمن وكان غاية في الأدب والاحترام وبخجل شديد قال يؤسفني أن أخبرك أن المطلوب مغادرتك البلد الليلة فغادرت.
لم يوضح الأسباب ولم أسأله شعورا مني أن المسألة ليست من عنده, هو مبلّغ وجاءتني الكثير من التعليلات ولكن التعليلات كلام ناس لا ينبغي أن يبنى عليه شيء, الذي خلصت اليه أمرين : الأمر الأول متعلق بالواقع الذي يحصل وهو انه لكل بلد ظروفها التي ينبغي أن نقدرها، ومع الأيام تتضح الأشياء وسيظهر لهم حاجة العالم الإسلامي اليوم وحاجة الأنظمة الإسلامية إلى أن تتعامل مع التوجه المعتدل والأمر الثاني بالنسبة لشخص المتكلم فهو تنبيه من الله سبحانه وتعالى للجوانب التي يكون فيها نقص في الإخلاص أو في الصدق مع الله حتى أصلح من قلبي واجتهد في ذلك.
هذه الدعوة دعوة الاعتدال والسماحة هي أصل أمة الإسلام، لم نأت بشيء جديد بل هي الأصل، يجب أن يكون منطلق تعامل الداعية الاعتدال والسماحة، قال الله سبحانه و تعالى لأفضل الخلق رسوله صلى الله عليه وسلم (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك )) وقال له : (( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )).
ومن هذا المنطلق الذي يرتبط بثوابت وقواعد شرعية صحيحة مع مراعاة الأسلوب الذي يتناسب مع الزمان أو العصر الذي نعيشه دون المساس بالثوابت، ومع قوة الارتباط بالتربية المتصلة بالسند الذي يأخذ فيه التلميذ عن شيخ عن شيخ عن شيخ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، علماً وتربيةً وسلوكاً ليس علماً، فحسب هذا الأمر والحمد لله موجود في الأمة الإسلامية، وهناك عدد من الدعاة لا يزالون يحافظون على هذا الشأن, بل وينشرون في الذين يلونهم هذا المعنى، وهو القاسم المشترك بيننا وبين عدد من الدعاة الذين يتبنون كما ذكرتم هذا التوجه.. هذا التوجه ليس بخطة وليس بتخطيط وليس بتنظيم، ولكن تبنّيه فهم صحيح ونتيجة تلقائية للأخذ المتزن للعلم والتربية والسلوك والفكر الدائم.
التنظيم له وجهان بمعنيين، التنظيم بمعنى الترتيب وإقامة الأمور على وجهها الصحيح، هذا أمر قد تعبدنا الله به فلا بد أن يقوم .
والتنظيم بمعنى التكتيك والتخطيط القائم على أعراف معينة وقوانين محددة تدير أصحابه ضمن إطار مؤسسي أو حزبي واحد فليس هذا ما نعنيه وهذا من أسباب نجاح هذا المنهج، ومنهج دعوتنا له ألف سنة والحمد لله في الوطن، وقد خرج به الدعاة من حضرموت من قرون ماضية ونشروا الإسلام في جنوب شرق آسيا وفي شرق افريقيا، وهو خال من الأغراض ومن المقاصد الدنيوية ومن حب السلطة، هذا المنهج تنظيمه في كينونته، لأن تقديرات وترتيبات القائمين عليه تعتمد على قوة صلته بالمنهج النبوي الشريف، ولهذا تجد تعريفات الدعاة للمنهج والذين يسيرون فيه بينها تناسب وفيها تكامل ودون ان يخططوا للتناسب والتكامل قد يحتاجون في بعض الظروف المقتضية أن يجتمعوا في مسألة بعينها أو في فتوى أو في أمر يتناقشون فيما بينهم، لكن روح المنهج بغير حاجة إلى مسألة التكتيك وما يتعلق به هذا شيء. أما الشيء الآخر الاختلاف في الفتاوى هو ليس بظاهرة سيئة لكن الخطأ يرجع إلى أمرين إلى التعصب للفتوى بحيث اعتقد بأن رأيي صواب لا يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ لا يحتمل الصواب واحكم على غيري مباشرة خطأ. الخطأ الثاني أن أجترئ على الإخبار بالفتوى أو على نقل الفتوى دون التحقق من أهل الفتوى فيصبح كل واحد يعطي لنفسه صلاحية الفتوى دون أن يتأهل لها فيقع هذا التخبط الذي نعيشه وتأتي الفتاوى الشاذة وتأتي الفتاوى التي تورط المسلمين وتسبب للمسلمين احراجات في مثل هذه الأوضاع التي تمر بها الأمة أو بما قبلها من الأوضاع.
بل أزيدك مما يقال أن هذه الدعوة قد أعدت لتكون بديلاً للفكر الإسلامي الجهادي الصحيح.. هذا الذي يثار اليوم. لو كانت هذه الدعوة جديدة لكان من الممكن أن نناقش مثل هذه الاطروحات أو مثل هذه الاراء، الدعوة ليست بجديدة, كما قلت لك أن جذورها تمتد إلى ألف سنة في منهجنا هذا والذي يقرأ كتب التراجم والطبقات والتاريخ يجدها, لكن الجديد أنكم انتم أهل الإعلام بدأتم تهتمون بها الآن وتسلطون عليها الأضواء، وان الأنظمة بدأت تعطيها شيئا من الاعتبار، وهذا شيء حسن من إعلامنا ومن أنظمتنا أن تلتفت إلى مثل هذه الدعوة التي أثبتت على مدى التاريخ الماضي أثرها وقد حولت دولا بأكملها في الخريطة السكانية من دول غير مسلمة إلى دول مسلمة بغالبيتها مثل اندونيسيا دون أن تراق قطرة دم، هذا هو الفكر وهذا هو المنهج الذي نحتاج اليه اليوم، الذي جد هو تسليط الأضواء على هذه الدعوة والإلتفات إليها وتشجيعها والاهتمام بها، وهذه ظاهرة حسنة.
لا أدعي أني من الصوفية أو من الزهاد، لان هذه مرتبة كبيرة لم أصل إليها ولكني أحبها ومر معكم قبل قليل في الإجابات الماضية كلام حول التصدر للفتوى ممن لم يتأهل لها وهذا أعطى المجال لكثير ممن لم يبلغوا مرتبة الكفاءة في الفتوى لتصنيف التوجهات الإسلامية أو الفرق أو العلماء أو الدعاة فحولوا هذا الأمر إلى معمعة والى نزاع شغلوا به الشارع المسلم وأقحموا الناس على ماهم في منأى عنه. والتصوف هو علم من علوم الشريعة الإسلامية، له تأصيله وألفت كتب باسمه من القرن الثاني الهجري ككتاب ((التعرف على مذهب أهل التصوف)) للإمام الكلاباذي وكان لقي التصوف يمدح به العاملين بعلمهم من الصادقين المتقدمين فلو قرأت كتب الطبقات كصفة الصفوة أو سير أعلام النبلاء الأول للحافظ ابن الجوزي والآخر مؤلفه الحافظ الذهبي, وقرأت طبقات الأئمة لرأيت أن في مثل هذه الكتب، بل حتى في كتب الجرح والتعديل لأهل الحديث إذا أرادوا أن يمدحوا أحدا ينعتوه بـ (( الصوفي )) أي الذي عمل بعلم التصوف حتى أثمر له ثمرته. ويعرّف علم التصوف بأنه العلم الذي يعنى بصلاح القلوب لقول العلماء علماء الأصول الحكم على الشيء فرع عن تصوره إذا عرفنا التصوف بأنه العلم الذي يعنى بصلاح القلوب فلا يختلف اثنان بأن الأمة أحوج ما تكون إلى مثل هذا العلم, أما ما يسميه البعض تصوفا من تصرفات وأوضاع خاطئة من بعض الجهلة فهذا نبرأ إلى الله تعالى منه.
وأما ما سألت عليه من الصلات مع الآخرين فهي قاعدة سواء مع الذين ذكرتهم أو غيرهم، كل من أراد أن يخدم وعنده الإنصاف والأخذ العلمي الصحيح القائم على التلقي بالسند أو الرجوع إلى أهله فنحن وإياه أعوان على الخير، وكل من رأى خلاف ما عليه أصحاب هذا الأخذ والتلقي فنحن مع عقلائهم على مائدة البحث باسطين أيدينا. ومن كان منهم له علم يريد أن يثبت به شيء فليأتي ولنجلس. أما جهالهم أو سفهاءهم الذين يسبون اويشتمون أو يكفرون أو يرمون الناس بالشرك فليس لدينا وقت للتخاطب مع أمثال هؤلاء، ففي الأمة من الإشكالات والمصائب ما ينبغي أن ننشغل به.
للأسف.. عندي تقصير في قراءتها، فلم أقرأ اطروحاتها لكثرة انشغالاتي في الداخل والخارج وكثرة أسفاري، لكن نعطيك قواعد هي الأمثل في التعامل مع كل من يريد أن يخدم في العالم، كل من كان مخلصا لله تعالى متنزها عن الأغراض مستندا في كلامه إلى علم صحيح متصل بسند إلى أهل العلم غير مخالف في طرحه لمقاصد الدين صادقا مع الله في عمله، مدركا الفرق بين أن تخدم جميع التوجهات في عملها سياسيا كان أو اقتصاديا أو اجتماعيا اوعسكريا أو ثقافيا أو حضاريا أيا ً كان في خدمة الدين هذا نحن وإياه على خط سواء من التعامل وان لم نجلس وان لم نرتب، لان خدمة الدين تكمل بعضها البعض، وكل من كان في علمه بعيدا من الأخذ الصحيح بالتلقي أو كان في عمله مشابا بشيء من الأغراض أو بشيء من المقاصد فنحن نختلف معه.
لا أعلم الأسس التي تعادوا عليها وبالتالي لم أستوعب الأسس التي اصطلحوا عليها.. فلا تسألني إلا عن الشيء الذي اطلعت عليه.
لا أنتمي إلى حزب سياسي وان شاء الله لن أنتمي إلى حزب سياسي لأني أرى أن مهمتي أوسع من أن أحصر في حزب سياسي أو طائفي وأني بهذا لا أذم أحد ولا أهاجم حزبا ولا أنكر على أحد إذا صدق في إرادته تحقيق هدف صحيح لكن أرى أن صاحب الدعوة يجب أن يسع الجميع، فلم انتهض إلى محاربة توجه ثم انتهض إلى محالفته ثم انتهض إلى مهاجمته، الذي عندي هو استعداد لخدمة الدعوة، جاء الإصلاحي أو جاء المؤتمر أو جاء الناصري أو أي كان وأراد أن يسمع شيء في خدمة الدين أبذل له ما أعلم مع أني لم أذهب إلى التجمع اليمني للإصلاح هناك أسرة دعتني إلى منزل ولأن المنزل متسع ويسع كثيراً من الناس ودعوا عدداً كبيراً من النساء وأقاموا حاجز بيني وبينهن ومكبر للصوت فأجبت، هذه حقيقة الدروس النسائية التي أقيمت واللاتي حضرن حسب ما علمت كثير منهن لسن من نساء الإصلاح، والإصلاح نفسه ليس بعدو ولست بتابع له، فطريقة التعامل من منطلق من لم يقف معي فهو ضدي، نحن اليوم نصطلي بنارها من الخارج فكيف نعمل بها بالداخل.
لم أطلع على المعطيات التي حللوا بها أو حرموا بها وعندي قصور في معرفة المنهجية التي تسير عليها التجربة الديمقراطية في تفاصيلها لأنها ليست من تخصصي ومن المشاكل التي نعانيها اليوم أننا نريد من المتكلم أن يتكلم في كل شيء في تخصصه أو في غير تخصصه وإذا لم يتكلم في كل تخصص لا يملي العين -كما يقولون-، هذه من أمراضنا تجد الشخص إذا أتقن جانب ينبغي أن يتكلم في كل شيء، الأصل أن تتكلم في الجوانب التي أتقنتها والتي تعرفها. أعرف أن نظام الشورى في الإسلام قد أمر الله سبحانه وتعالى به أفضل الخلق وأكملهم مرتبة ومكانة وهو سيد الخلق قال ((فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر)) وأعرف أن منازعة الأمر أهله قد نهينا عنه في الشريعة (( عليكم بالسمع والطاعة ولو تأمر عليكم عبد حبشي رأسه كرأس زبيبه فإنه من يعش منكم سيرى اختلافا كثيرا )) وفي الحديث الآخر (( سترون ولاة تعرفون منهم وتنكرون )) أي ترون خطأ وصواب قال: (( أو نخرج عليهم يارسول الله وفي رواية الا نناجزهم يا رسول الله قال: (( لا ما أقاموا الصلاة فيهم )) أضع هذه القاعدة مع قاعدة أخرى (( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق )) فإذا أقمت هاتين القاعدتين على هذا المستوى الصحيح عرفت أن مهمتي لا الصراع على الحكم حتى أصل وأصلح، ولكن مهمتي أن أفكر في كيفية إيصال الصلاح والخير إلى كل جوانب المجتمع ابتدءا من الحاكم إلى الذي يكنس الشارع فكلهم محل خطابي ومحل تخاطبي، أما الأسس التي عليها حلل أو حرم مثل هذا العمل أعتقد أنه لو أردنا أن نخرج بإجابة صحيحة تنفع المسلمين ينبغي أن يكون هناك مجموعة من العلماء المتمكنين من علمهم الذين يفقهون الواقع الذي يحيط بهم يجتمعون مع رواد التجربة الديمقراطية ومقننيها على مائدة المراد منها الخروج بفهم صحيح بصلة بأحكام الشرع، المشكلة أن الذي يحصل الآتي:يقام الشيء وبعد أن يقام نقول تعالوا يا علماء ما حكم الشريعة فيه؟ بينما الوضع الصحيح أن أي شيء يراد أن يؤسس أو أن يقام فينبغي أن يسأل عنه أهل الشريعة أولا ثم على أساس ما يفتون به من حكم الله عز وجل يؤسس ويقام هذا ليس فقط فيما يحصل في الجانب السياسي بل في الجانب الاقتصادي والجانب الاجتماعي في جوانب الحياة المختلفة نحن نعمل ما نريد ثم نقول تعالوا يا علماء ما رأيكم وأتونا بالمخرج.
ليس عدم دخولي إلى الحزب توصلا إلى تحريم الدخول إلى الأحزاب، ولكن -كما سمعت- الذي فهمته وتلقيته عن شيوخي ورأيته في الواقع أمامي حقيقيا أن الداعي إلى الله ينبغي أن لا يحصر في إطار حزبي، لا يكون ضد الحزبية لكن لا يكون محصورا في إطار حزبي، لأني إذا انحصرت في إطار حزبي ستكون دعوتي ضمن هذا الإطار، أعداء الحزب أعدائي أصحاب الحزب أصحابي، صار الدين مؤطرا في حزب لكن المنهج الصحيح أن يتعامل مع الكل، أبي جزاه الله عني خيرا لما رأى توجهي هذا خيرني قال يا ولدي أنا أحب أن تكون معي في حزبي والأمر إليك فقلت له إن لم يكن أمرا والمسألة قد أرجعتها إلي فاعفني من مسألة الحزبية وأنا لست بضدك أو ضد عملك, ولكن أيضا لا أريد أن أحصر في ذلك التوجه أود أن أخدم الأمة ليس الحزب وليس التوجه أو التيار أو الفكر وليس اليمن وحدها حتى لا أحصر في حزب ولا أحصر في محافظة، لا أحصر في دولة، أعرف حق بلادي علي وأؤديه، ولكن مهمتي التعامل مع أمة. فبعد أن توجه إلي الخطاب وما تربيت عليه وتلقيته من مشائخي بأن أخاطب أمة بأكملها لا أرضى بأن أحصر نفسي في حزب معين. هذا هو السبب في أني لم أنتمي إلى حزب الوالد أو إلى غير حزب الوالد، جزاه الله عني خيراً فقد رضي بذلك ولم يكلفني مشقة أن أعمل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة مع حزبه.
وقعنا بين نوعين من الغلو, نوع يقول المسجد ليس له علاقة بأي شيء مما يتعلق بواقع الحياة سياسيا واقتصاديا، المسجد يتكلم عن الآخرة فقط وهذا باطل لأن الدين لا يفصل عن الحياة وغلو آخر من جهة أخرى يقول المسجد والحياة شيء واحد فتحول المسجد إلى قاعة مؤتمرات حتى صار الذي يتردد على المسجد لمدة ثلاثة أو أربعة أشهر لا يسمع موعظة واحدة تذرف لها عين بل كل الكلام قرر.. رتب.. مؤتمر.. انتخاب.. فعل.. ترك.. إذا نحن نحتاج إلى حد الاعتدال وإلى قاعدة معناها أن الدين له صلة بكل جوانب الحياة لربطها بالله فيكون الخطاب عن جوانب الحياة على أن تكون مسخرة لخدمة وطاعة الله لا العكس، هذه القاعدة يجب أن نفقهها وإذا فقهناها عرفنا أننا نحتاج من الخطيب إذا صعد إلى المنبر أن يخوض في جميع احتياجات الإنسان عقلا وقلبا وروحا ونفسا لا يغلب شيء على شيء لا يقول أبداً.. الدين دين و دولة، فيتحول المنبر إلى قاعة مؤتمرات كما قلت سابقا أو إلى منصة دعائية. في نفس الوقت، أعرف وأعلم أن أمانة الكلمة إذا نطقت بها من على المنبر تقتضي أن نجعلها لخدمة الله لا لخدمتي ليس فقط في الجانب السياسي حتى في جانب إقبال الناس، خطيب أعطاه الله فصاحة وأعطاه الله قدرة على التأثير على قلوب الآخرين هذه أمانة ثقيلة وسيسأل عليها أمام الله لو حاول أن يستثمر ذلك لحظة واحدة لجلب الناس إليه -ليس إلى حزبه فقط بل حتى إليه هو- لتعظيمه أو مكانته أو أخذ شيء من أموالهم أو لنيل الوجاهة والشهرة بينهم، إذا فالكلمة من على المنبر أمانة لأن الذي يصعد المنبر يقوم ممثلا لرسول الله نائبا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر ثقل هذا الأمر الذي سيتكلم به.
جزى الله شيخنا وسيدنا الحبيب عمر بن محمد بن سالم بن حفيظ عنا وعن المسلمين وعن هذا المنهج خير الجزاء حيث أسس هذا الدار بعد تجربة قد مر بها فهو الذي رأى والده مختطفا ومغيبا وهو في الثامنة أو التاسعة من عمره وكان والده عالم تريم، ثم رأي أشكالا من الاضطهاد من جهة من يستبد بما خوله من حكم أو من قوة أو قدرة ثم رأى كثيرا من العلماء مابين مسجون وما بين مجبر على الجلوس في بيته ثم قدر الله تعالى له أن ينطلق في خدمة الدعوة وهو في الرابعة عشر من عمره في أول كلمة ألقاها في ((تريم)) ثم تحرك بعد ذلك إلى شمال الوطن قبل الوحدة إلى البيضاء واستقر في الرباط معلما ومتعلما هناك فرأى أيضا شيئا من آثار التنازع الذي كان بين الشمال والجنوب في ذلك الوقت ورأى أيضا الأوضاع الحساسة التي كانت تمر بها الأمة فسافر إلى الحرمين الشريفين والتقى بكبار أئمة هذا المنهج ورجاله المربين الذين كانوا في المهجر بسبب الظروف الشديدة التي كانت في جنوب الوطن، عاد بتجربة ممتزجا فيها العلم الذي تلقاه من مصادره الصحيحة مع السلوك والأخلاق وتصفية القلب مع هم الدعوة والحرقة على الدين، تأسست دار المصطفى على ثلاثة مقاصد العلم والسلوك والدعوة – فكر الدعوة – والطلاب عندنا يربون على هذه القاعدة ونرى في ذلك أن مهمتنا الأساسية ليست في التنازع لا على اقتصاد ولا سياسة ولا غيرها لكن مهمتنا الحقيقية إيصال نور الهدى إلى السياسي والاقتصادي وإلى العسكري وإلى العالم والى الجاهل وإلى الكبير والصغير فمهمتنا لا تنحصر دون أحد ولا تقاطع السياسي بل تتعامل معه ولكنها لا تأتي لتأخذ من السياسي شيئا من يده بل تعطيه شيئا يستفيد منه في الدنيا والآخرة ومنهجها الاعتدال والأدب واعتقاد حرمة الله في خلقه فالإنسان الذي أمامي ولو كان عاصيا بل ولو كان كافرا فيه نفخة الروح ((ونفخت فيه من روحي)) فهو مخلوق له رب مهمتي أن أربطه به وليس مهمتي أن أحكم عليه. خلاصة الأمر أن دعوتنا دلالة على الله لا حكما على خلق الله.
لا أظن أن مثل هذا الأمر يجهله أصغر وأجهل مسلم اليوم.. ولكن السؤال الذي يجب أن يوجه ليس بماذا تنظر إلى هذا الأمر وإنما الشيء الذي ينبغي للناس أن تتنبه له بعد أن نفقه أننا جميعا مجمعون على نظرتنا لمثل هذا الأمر، إن هناك من وراء هذا الظاهر الذي يحصل في العالم شيء آخر نحن غفلنا عنه وهو أن الله سبحانه وتعالى لن يسلط علينا ظالما أو عدوا أو معتديا ونحن أصحاب الدين الحق الخاتم للأديان دون أن يفتح لنا أبواب المخرج والنظرة، الداء معروف وهو امتلاء قلوبنا بمحبة الدنيا وكراهية الموت ولا يخفاكم الحديث الذي سمعتموه في المحاضرة (( يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها )) في آخر الحديث يشرح صلى الله عليه وآله وسلم مكمن الداء (( يلقى في قلوبكم الوهن حب الدنيا وكراهية الموت))، الذي يجعل تخطيطات الغير التي تضرنا أو لا تتفق مع مصلحتنا الدنيوية أو الدينية تنفذ فينا وتؤثر جوانب الضعف التي فينا.. المسلم الذي يتوقع إنصافا من غيره أو خارجه دون أن يبحث عن مقومات النصرة الحقيقة فيه فهذا إنسان ساذج أو متهرب من الواقع، شيء طبيعي أن عدوا أو معارضا أو صاحب مصلحة لنفسه أيا كان من هذه الأنواع الثلاثة أن يعمل لما يريد هو لا لما تريد أنت ولا لمصلحتك أنت ولا لحمايتك ولا لرعايتك، لكن السؤال ماذا قدمت أنت وماذا فعلت؟ فنحن بحاجة إلى وقفة صدق مع أنفسنا معاشر المسلمين إلى تقصيراتنا مع الله إلى إصرارنا على المعاصي إلى إيثارنا حب الدنيا إلى تخلفنا عن الامتثال لأوامر الله سبحانه وتعالى، إذا تنبهنا إلى مثل هذه الأمور وأجد كثيرا من الملل عندما أجيب بمثل هذه الإجابات يبدو على وجه من يسأل، لكن إذا تنبهنا إلى مثل هذه الأمور سيكون المخرج، بدون هذه الأمور لن يكون هناك مخرج.. المسألة ليست مجرد لقاء صحفي أو لقاء إذاعي أو تلفزيوني يمر وينتهي أو شهرة أصنعها لنفسي بصورة شجاعة وجرأة أشتم بها شرقا أو غربا، لكن المسألة أكبر من ذلك, المسألة أن عندنا مهمة بناء في أمة تتصدع وتحتوشها الأمم من كل مكان، فالتفكير في بناء القلب المسلم الصحيح والنفس المسلمة الصحيحة هي بداية المخرج من هذا الظلم أو هذا الاعتداء الذي يحصل على المسلمين اليوم، الإلتجاء إلى الله بقلوب صادقة، ومنهج عمل بعد ذلك ينبئ عن هذا الالتجاء إلى الله عز وجل، بمعنى.. أنت تريد عمل لكن على أي أساس، على أساس صدق مع الله عز وجل, نحن حتى في اليوم الذي نضطر فيه أن نحارب ليست مهمتنا في الحرب أن نقتل، القتل ليس عندنا في الدين غاية قط، القتل عند الحاجة إليه وسيلة، الغاية الحقيقية هي نشر الهداية في هذا الوجود وقد نص فقهائنا في كتب العلم ونص علمائنا بل جاء في السنة الشريفة بل جاء في القرآن الكريم الحكيم أن المقصد من وراء القتال عند القتال وصول الهداية إلى الغير فنقاتل من يحجب الهداية ومن يتعدى علينا دون تقبل منه للرجوع عن ذلك، هذا الأصل في فقهنا للواقع الذي يحيط بنا.
هذا الكلام صحيح وليس بحاجة إلى جدل، لكن السؤال الذي يوجه ما الحل ما العلاج لماذا وصلنا إلى هذه الحال، قلنا قبل قليل مشكلتنا أننا دائما ننشغل بغيرنا نبحث عن شيء نبرر به الخطأ الذي عندنا أو النقص الذي عندنا، الدولة التي تذكرها أو غيرها من الدول التي في السابق اعتدت علينا أو التي في السابق صادقتنا أو التي مشت معنا أو ضدنا هم ورائهم أو لهم موازين معينه تختلف عن موازيننا، لهم مصالح تختلف عن مصالحنا، لهم غايات أو أحيانا انطلاقات حتى دينية تخالف انطلاقنا الديني، لكن المسألة التي يجب أن ننشغل بها ليست ماذا صنعوا أو ماذا خططوا أو ماذا فعلوا المسألة لماذا مكنهم الله منّا ونحن أصحاب الدين الصحيح أصحاب الدين الذي أختاره الله لهدايتهم, هم محتاجون لما عندنا لكن لماذا مُكنوا منا؟ لأنا تقاعسنا عن مهمتنا، كم من المسلمين قبل الأحداث الأخيرة هذه كانوا يسافرون إلى أمريكا في العام الواحد؟ بالملايين.. من هولاء الملايين كم يدخل إلى أمريكا وله فكر في نشر الهداية وفي إيصال نور الإسلام هناك؟ إذن نحن تقاعسنا عن مهمة أنيطت بنا. كنت في أمريكا الشهر الماضي، وأكثر شعوب العالم قابلية للإسلام اليوم الشعب الأمريكي -وأتكلم عن الشعب هنا-, ولكن لماذا لم نفكر معاً في الثلاثين أو الأربعين السنة الماضية من تاريخ صلتنا بأمريكا أن علينا مهمة نشر الهداية تجاههم؟ يفد الطالب إلى أمريكا.. يفد التاجر إلى أمريكا.. يفد السائح المتنزه إلى أمريكا.. يفد العامل إلى أمريكا.. من منهم يفكر أن أمامه مهمة؟ في المقابل نجد أنه سابقاً في القرون الماضية كانوا يسافرون إلى الخارج ويتاجرون. الذين ذهبوا إلى الشرق قبل أن تكون هناك وجهة إلى الغرب غيروا بلداناً غيروا اندونيسيا حولوها إلى دولة مسلمة، سواحل أفريقيا الشرقية كلها تحولت إلى الإسلام دون اهراق قطرة دم, فنحن إذن أصحاب مهمة فينبغي أن نبحث أين وجه التقصير في مهمتنا، في بناء كينونتنا؟ نحن كمسلمين أين التفكير الصحيح في ربط التاجر بالله سبحانه وتعالى حتى لا يغش أمته ويمكّن الأعداء من اقتصاده؟ أين الفقه الصحيح للارتباط بالله عند المزارع ليصدق مع الله في خدمته لأمته, أين التفكير الصحيح عند العامل، من العامل الصغير إلى المسئولين, نحن بحاجه إلى النظرة الصحيحة إلى فقه مهمتنا بصلتنا بديننا من خلال واقع عملنا في حياتنا وبعدها نتكلم في ما فعل الغير.هذا الكلام الذي أقوله لا يروق لكثير من الأذهان، الناس الان تريد كلاما ناريا حماسيا, لكن هذا الكلام الذي نتكلم به هو البناء الذي نحتاج إليه اليوم.
لم اجلس معه، وعلمنا أن لا نحكم على من لم نجالس، ووسائل الإعلام غير مؤتمنة على نقل الصورة على الوجه الحقيقي.
أقبل علينا موسم نظر الله عز وجل إلى العباد كما جاء في الحديث (( أن الله ينظر في أول ليلة من ليالي رمضان إلى عباده ومن نظر الله اليه استحى أن يعذبه )) والأمة اليوم بما تعانيه من شتى أصناف المعاناة أحوج ما تكون إلى نظرة الله إليها لأن تتهيأ لإقبال هذا الشهر، بإقبال قلوبنا على الله عز وجل بالالتزام والتوبة والسجود له، لعله إذا نظر إلينا في أول ليلة فرأى قلوبا صادقة متوجهة اليه أن يتدارك هذه الأمة وهي فرصة يفتحها الله تعالى لنا لتزكية أنفسنا وتربيتها لتخرج من عبودية الأهواء والشياطين فينبغي أن نتداركها, فهو باب الصلح بيننا وبين الله، فالذي نعانيه اليوم في الظاهر حرب من أعداء الله لكنه في الحقيقة حرب الله تعالى لنا، الله سبحانه وتعالى ذكر الحرب على البشرية إذا خالفوا أمره ذكر على سبيل المثال في باب الربا (( فأذنوا بحرب من الله ورسوله)) والربا اليوم مقنن في بلدان المسلمين فنحن الان نقنن ونتعامل بما هدد الله سبحانه وتعالى من يتعامل به بالحرب فجاء موسم الصلح مع الله سبحانه وتعالى بالتوبة والرجوع وإقامة شؤوننا على وجهة مرضاته (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)).
جميل كلامك هذا وهو يعيدنا إلى مسألة هامة نعانيها اليوم وهي أن كل منا اليوم ينتظر من الاخر أن يؤدي دوره، الشعوب تنتظر من الحكام, والحكام ينتظرون من الأغنياء, والأغنياء ينتظرون من العلماء, والعلماء ينتظرون من الشعوب، وإذا بالمسألة كل ينظر إلى الآخر, هل أديت دورك؟ والا لا، لو سألت نفسك هل أديت دورك أم لا؟ لاكتشفت أن الحل في اتجاه هذا المخرج، الإعلامي عليه دور, والحاكم عليه دور, والعالم والتاجر والصانع والمزارع عليهم دور أيضا.إتقان المزارع للزراعة سيغنينا عن استيراد القمح من الخارج والقمح قوت حياة رتب الله عليه طعامنا وشرابنا ورتب عليه سبب من أسباب حياتنا, من أعتمد في أكله على غير صار أمره إلى ذلك الغير، فإذا فكر كل واحد منا أنه صاحب مهمة في هذه الحياة وبحث عن اداء دوره سيلاحظ بعد ذلك أن كل واحد قد أدى دوره والخطأ أن نكتفي بأن نقول العلماء ما قاموا بدورهم ونحن نعلم ما الذي لاقاه العلماء في الماضي وما يلاقيه العلماء في الحاضر. مع ذلك على العلماء أن يؤدوا دوراً، أين دور العلماء؟ إذا كان للعلماء عندك منزلة! عندما تخطر لك مسألة أو تكون أمامك قضية تريد أن تنفذها وتتحرج أمام الشريعة وتبحث عن العالم الذي يفتيك بما تريد فان وجدت العالم الذي يفتيك بما لا تريد قلت له متشدد نريد عالم ميسر, عالم فاهم, وبعد ذلك تلوم، لماذا إذا لا يبحث الحاكم عن عالم من العلماء يفتيه بما يريد إذا كنت أنت من البداية أيها العامل أو المزارع أو التاجر تبحث عما تريد؟ فالمقصود من صلتنا بالعلماء أن لا نجعلهم بلغة لما نريد. المقصود من صلتنا بالعلماء أن نفقه منهم ماذا يريد الله منا لا ما نريد نحن، فنجعل الدين وسيله لتقويم حياتنا لا أن نجعل الدين مطية لمصالحنا، هذه المصيبة التي نحن نشكوها عند الحكام لو التفتنا لوجدناها فينا موجودة فينبغي أن ننظر من البداية في تصحيح أمورنا على مستوى الفرد, أكرر نحن يتهموننا اليوم بأننا سلبيون وأننا إنعزاليون وإننا لا نعيش الواقع، لكن نحن نقول لكم أن المرحلة التي تقبل عليها الأمة اليوم هي مرحلة إعداد الفرد والأسرة أولا وهو القيام الذي تقوم عليه الأمة وتقوم عليه الدولة في العالم الإسلامي.
نحن بحاجة إلى الاستماع إلى العلماء لنقوم أوضاعنا لا لنبررها، ولهذا نحتاج إلى تحويل مؤتمرات العلماء من مجرد الصورة التي ينتج عنها أبحاث تطبع بطبعات فاخرة وتبقى ضمن الكتب إلى تفعيل القرار، وهذا الفرق بين المؤتمرات الفكرية والعلمية في بلداننا وبين المؤتمرات عند غيرنا في العالم، وهو أنها تؤخذ بجدية عند أصحاب القرار. ولنعد إلى ما كنا نقرره من الحاجة إلى البحث عن مهمتنا ولهذا أضحكني أحد المصريين من إخواننا المباركين عندما قال أزمتنا أنا دائما نبحث عمن يعمل لنا, قبل قليل أجيبكم وأقول أن المهمة مهمة الكل واسمع الأسئلة الحكام.. العلماء.. التجار.. قال هذا الأخ من مصر حتى صرنا إلى مستوى أن الذي يحب امرأة يريد الذي يجيب له حبيبته، قال الأغنية تقول ((مين يجيب لي حبيبتي))، نعيش هذه النظرة ويصعب أن نخرج من المأزق، الحل لا أن نقول ماذا يجب أن يفعلوا لكن نقول ماذا يجب أن نفعل؟ فإذا وصلنا في جميع مستوياتنا إلى فقه أن نبحث عن الواجب الذي يجب أن نفعله فذلك بداية حل أزمتنا فلذلك نحن مهمتنا في دعوتنا الآن أن نخاطب الناس كيف تتصلون بالله.. كيف تكون مقاصدكم بالله.. كيف ترجعون إلى الله.. كيف ترتبط قلوبكم بالحبيب صلى الله عليه وسلم ارتباطا كليا وليس مجرد ارتباط عقلي منهجي، ارتباط كلي قلبي وعقلي وروحي ومنهجي وفكري ونفسي لتخرجوا بعد ذلك بقدوة في حياتكم تتعاملون بها، وعندها سترون النتائج تلقائية تظهر في الأمة بعد ذلك، مشكلة الأمة وأزمة الأمة أكبر من أن نعقد لقاء صحفي لنخرج بحل مشاكله أو مؤتمر إسلامي أو انعقاد تنظيمات، المسألة بداية بناء الأمة تحتاج إلى بناء من البداية, بداية الفرج عن فلسطين.. عن أفغانستان.. عن العراق وعن مشاكل الأمة كلها هي أن تنظر إلى أولادك هؤلاء ليتربوا على طريقة قويمة يفقهون بها أن لهم مهمة في الحياة وليست مهمتهم أن يأكلوا ويشربوا وينكحوا ويلبسوا ويجدوا الوظيفة والشهادة فحسب، وإذا فقهوا مثل هذا المعنى بدأت مشاكل الأمة تنحل. ومن جهة أهل العلم فعليهم النصح للحكام وتنبيههم إذا أخطئوا والتعاون معهم على إقامة الحق، وعلى الحكام الإصغاء والأخذ بكلام العلماء العاملين العارفين.
الواقع والنصوص لا يسعفان هذا الكلام، انظر إلى مستوى الشعوب، المشتكي من الرشوة يقال له من الذي يرتشي؟ المسئول فقط؟ أحيانا أعمل معاملة بسيطة أخاطب مع أنهم يرون بأن فلان من أهل الدين يريد هذه المعاملة ومع ذلك يفكر كم سيدفع، فالمسألة ينبغي أن نفقه أن الواقع الذي نريد إصلاحه هو الشعوب والحكام من رأس الهرم إلى قاعدته، فليس الشعب ملائكة والحكام شياطين كما أنه ليس العكس صحيح، يعني لا يصح أن نداهن الحكام كما أنه لا يصح أن نجعل من الحكام شماعة لأخطائنا، نقول نحن بريئون ونقيون وتقيون وعلى استقامة والشعوب على أرقى ما يكون إلا الحكام هذا لا يكون قال الله تعالى (( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا )) وجاء (( كما تكونون يولى عليكم )) وجاء في بعض الروايات عن الحسن البصري رحمه الله تعالى (( عمالكم أعمالكم )) فيجب أن نفهم هذا المعنى تماما، أما أن نبحث عن غيرنا لنلقي عليه مصائبنا فهذا سر مصيبتنا ، هذا الكلام من بداية الحوار أكرره ومع ذلك الشيء الراسخ في نفوسنا أننا لا زلنا نصر العلماء ما واجبهم.. الحكام كيف يصلحون.. أنا وأنت إذا بدأنا نفكر كيف نصلح، وإذا جاء أحد وسألنا أنا كأعلامي ما هي مهمتي وكيف أصلح؟ أبشر أن الأمر بدأ إلى الصلاح، فإذا فهمنا مثل هذا المعنى تهيأنا لإصلاح الأمة.