في شهر يوينو الماضي كنت في زيارة لمصر وهناك سمعت عن الداعية اليمني الحبيب علي زين العابدين الجفري وحين شاهدت إحدى الفضائيات تذكرته.. فقد كنا زميلين في الجامعة بداية عقد التسعينات من القرن الماضي.وبعد أن عدت من مصر علمت أن السلطات المصرية أقدمت على ترحيل الداعية الحبيب علي زين العابدين الجفري فترقبت عودته إلى اليمن، وحين وصل إليها وتحديدا إلى مدينة تريم الحضرمية، بادرت الاتصال بالحبيب علي الجفري. طرحت أسئلتي على الداعية على الحبيب علي زين العابدين الجفري والتي لم تقتصر على موضوع ترحيله من مصر وأسبابه بل شملت جوانب من سيرته الدعوية والأسرية ورؤيته حيال قضايا عديدة فكانت حصيلة تلك الأسباب هذا الحوار الذي تنفرد الراية بنشره.
الحمد لله، وصلى الله وسلم على حبيبه ومصطفاه وآله وأصحابه ومن والاه، وبعد:
أما الأسباب فلا أعلمها، وبوسعكم سؤال الأمن المصري عنها؛ لأني مثلكم استغربت من قرار الترحيل خصوصا أن سائر ما كنت أحضره هناك من مجالس وندوات كانت بعلم الجهات المختصة في مصر.. ومع ذلك كله، فأنا أقدر أن لكل بلد ظروفا وأهل البلد أدرى بها.
وأقول: دعوا المشايخ وشأنهم، وأحب من الصحافة أن تقرب بين الناس لا أن تبعد بين الناس.
الأخ عمرو خالد أخ عزيز، وبيننا صلة ومودة ومحبة، وهو يزورني وأزوره، وأربأ به عن مثل ذلك.
الشيخ محمد حسان: لم ألتق به أصلا خلال وجودي في مصر، فقط مرة واحدة هاتفني بالتلفون، عندما أخبرني أحد بائعي أشرطتي أن الشيخ محمد حسان وبعض المشايخ قد هددوا إنه إذا وزع أشرطة محاضراتي وندواتي سيقاطعونه ولن يتعاملوا معه.. بعدها كلمني الشيخ حسان ونفى هذا الأمر فصدقته..
وأما الشيخ محمد حسين يعقوب: فقد التقيت به في مصر قبل زيارتي الأخيرة.. واختلفنا بعض الشيء حول بعض القضايا من الناحية العلمية التي تناقشنا فيها، ومع هذا لا أظن أنه يقوم بمثل هذا العمل.
قضايا خلافية
اختلفت معه في قضية رمي المسلمين بالشرك في بعض الأفعال المختلف بها.. وكان رأي الفقير أنه لا يجوز رمي أحد من المسلمين بالشرك في الأمور التي يصح الاختلاف فيها شرعا.
هناك عدد من القضايا خاض فيها معي الشيخ محمد يعقوب، وهي من القضايا التي يجوز الاختلاف فيها، واستغرق النقاش بيننا نحو ساعة- ومن نقاط الاختلاف ما يتعلق بمفهوم الدعوة في بلد مسلمة مثل مصر.. هل تدعو للتوحيد فيها أم تدعو إلى قوة اليقين.. وكان نقاشي معه أن الدعوة في مصر لا ينبغي أن تكون على أساس أننا سننشر التوحيد فيها بين المسلمين ؛ لأنها بلد موحدة وليست بلدا مشركة.. والتوحيد بالدين الإسلامي في مصر ينشر منذ عهد عمر بن الخطاب وعلى يد عمرو بن العاص وانتهت المسألة.. ولكن مهمتنا كدعاة في مصر وفي بقية الدول الإسلامية هي تقوية معاني اليقين في نفوس المسلمين؛ ولكن لا أرى أن ذلك الخلاف مع الشيخ محمد يعقوب قد يكون سببا لترحيلي من مصر.
الترحيل المفاجئ
التردد على مصر له أكثر من ثلاث سنوات.. فأنا أتردد على مصر منذ الصبا، والمجالس الدعوية التي أعقدها فيها بدأت منذ نحو سبع سنوات أو أكثر..
أما بالنسبة لمستوى إقبال المجتمع والذي يسمونه النخبة أو إقبال السياسيين ورجال الأعمال والفنانين، فهذا الأمر سبق وأن أجبت عليه مرارا وقلت أنه ليس لي غاية ومقصد من تلك النخبة..
والداعية الذي يجعل من شخوص هذه النخبة سواء كانوا سياسيين أو فنانين أو رجال أعمال غاية له فإن هناك نقصا في فهمه لمقصود الدعوة ومهمة الدعوة لديه أو نقصا في إخلاصه والعياذ بالله.
ثم في نفس الوقت، فإن رجال الأعمال والسياسيين والفنانين والإعلاميين ليسوا محذورين أو محرومين من أن يفقهوا دين الله عز وجل أو أن يقبلوا على الله.
ولا أظن أن الأجهزة الأمنية المصرية تكره أن ترى الناس مقبلة على الله عز وجل.
وأما مسألة التوجس فأعتقد أنهم بحثوا وفتشوا عن أبعادي وخلفياتي والمنطلق الذي أنطلق منه، وأعتقد أنها فهمت وأدركت جيدا أن ليس لي توجهات سياسية أو سلطوية.
لم أتلق توجيهات أو تعليمات من الأمن المصري بأن لا أصلي بالناس في مولد الإمام الحسين – وأنا بالفعل لم أصل بالناس في تلك المناسبة، والذي صلى بهم هو الشيخ أحمد فرحات إمام مسجد الحسين.
أظن أننا في حاجة لأن نتخلص من مثل هذه التفاهات في الطرح والتقييم.. فليس هناك إسلام مصري أو إسلام سعودي الإسلام محمدي.
أجابني… تفضل.. تفضل
أجاب الشيخ علي
لم أتحفظ على شيء مما سألتني عليه، وإن شاء الله أنطلق معك كما تحب
أظن أن مثل هذا القول يسيء إلى المجتمع المصري نفسه، بأنه ممكن شخص يأتي ويزعزع أركانه.. ثم لم تبلغني مثل هذه المقالة على هذا النحو.. ولو صحت لكان من الواجب أن أتوجه إلى ذلك الشخص الذي قال مثل هذا الكلام لأجلس إليه والعلم رحم بين أهله.. لأرى ما عنده.. فإن وجدت في كلامه ما يصوب خطأ عندي فهو ذو فضل علي.
توبة الفنانات
المسائل هذه لا تأتي بحرص أحد، الهداية هبة من الخالق سبحانه وتعالى.. على أني ليس لي وسيلة للبحث عن الفنانات المصريات وليس لي هدف.. وقد ذكرت لك في إجابة على سؤال سابق، أن الداعية الذي يجعل انتهاجه في خدمة الدعوة مربوطا بأسماء لامعة، فإنه لم يفقه عظمة الدعوة وأن إقباله على الدعوة فيه نقص في الإخلاص..
وأيضا ليست الفنانات ممنوعات من أن يسمعن الوعظ والإرشاد والدلالة على الله عز وجل، وإذا حضرن بعض المجالس في القسم المخصص للنساء، فلا أظن أن هذه جريمة ارتكبتها أو ارتكبنها.
وإذا كان اليوم بين أصوات من يعدون بالمثقفين من ينادي بإسقاط حد الردة المعروف شرعا بحجة عدم تقييد الحريات فلا أظن إذا ترك أحد مجالا من مجالات العمل كالفن هو من الخطورة الذي يجعل حريته تقيد- إذا كان هناك من يطالب بحرية الردة، بعد ذلك يغضب من حرية اعتزال الفن، فإني أرى ذلك أمرا غريبا أن يغضب لأن فنانا أو فنانة اختار الاعتزال أو تغيير مهنته.
لا أؤيد الكلام بأن هذا الأمر له ارتباط بالمشايخ لأننا نرى أن المشايخ أكبر من ذلك.
العودة وأجهزة الأمن
الفترة المقبلة القريبة عندي برنامج لنحو ستة أشهر، ولا أظن أني خلاله سأجد الوقت الذي يمكن فيه أن أزور مصر.
غير صحيح أن هناك عدة آلاف من الأشخاص في المطار جاءوا لتوديعي عند ترحيلي من مصر. وكثير من الصحف تنقصها الدقة في النقل والتحري.
كما أن إجراءات طلب سفري ومغادرة الأراضي المصرية كانت في غاية الأدب من قبل المنفذين لها من ضباط الأمن المصري، وكانوا في غاية من التقدير والاحترام إلى أن غادرت الأراضي المصرية.
لم أعرف الأسباب
أما مسألة الأسباب: فبوسع من أراد أن يعرفها أن يسأل عنها الأمن المصري..
لم توضح لي أسباب الترحيل وأنا لم أسأل عنه.
الدعوة ليست محصورة على مصر فبفضل الله تعالى لنا ومن قبلنا لشيخنا سيدي الحبيب عمر بن حفيظ، كان لي رحلات متعددة إلى عدد من دول العالم التي هي مفتوحة لنا بحمد الله تعالى.. ونجري من القاءات الخاصة والعامة.. وما نرجو الله أن يكون فيها الأجر والنفع للمسلمين.
فلنا محاضرات في الجامعات الموجودة بدولة الإمارات وفي الكويت والبحرين وقطر وعمان وفي الأردن ولبنان كنا ضيوفا على سماحة المفتى.. وقمت برحلات إلى إندونيسيا وسيريلانكا وشرق أفريقيا وإلى أمريكا وهولندا وبلجيكا وايرلندا وبريطانيا.. كل هذه الدول مفتوحة لنا في مجال دعوتنا بفضل الله تعالى.. فليس دعوتنا مرتكزة على مصر وإن كانت مصر تمثل ثقلا كبيرا في العالم الإسلامي بتاريخها العريق في خدمة الإسلام، وهي حبيبة، وقريبة من قلوبنا بلا شك.
عكس تيار العائلة
اعتقد أنه ليس غريبا أن يختار الإنسان المجال الذي يرى نفسه فيه أنه يمكن يقربه إلى الله أكثر، والأصل في أسرتنا وفي آبائنا وأجدادنا هو خدمة العلم والدين – والسياسة في أسرتنا كانت طارئة باجتهاد من العم محمد بن علي الجفري رحمه الله.
كان يرى في اجتهاده أن الظرف الذي مر به أو المرحلة التي مر بها في وجود الأنجليز في البلاد، تقتضي أن يخوض المضمار السياسي لتحرير بلاده، وتتابع هذا الأمر في أعمامي وفي الوالد، ولما جئت وجدت أن المرحلة التي نحن فيها ليست السياسة.
وإن النظرة التي كانت عند آبائنا وأجدادنا كان أثقب في مسألة الابتعاد عن العمل السياسي، والانشغال بالأساس الذي يحتاجه السياسي والاقتصادي والعالم المادي والتجريبي، وهو فقه الدين على نحو متسع ورحب يتناسب مع قوة صلة القلب بالله، وقوة إدراك العقل للواقع المحيط به، وهذا المنهج من فضل الله والذي تكرم الله به علينا بالأخذ عن المشايخ الذين لقيناهم وتربينا على أيديهم وتأثرنا بمنهجهم.
ليس كذلك.. لكني أرى أني أستطيع أن أخدم في مجال الدين أكثر من أن أكون سياسيا، فمثلا لا يُسأل الطبيب الذي والده مهندسا لماذا لم تكن مهندسا، ولا يسأل المهندس الذي كان والده تاجرا لماذا لم يكن تاجرا.. اعملوا فكل ميسر لما خلق له.
ونرى أن خدمة الدين بمنحى التربية والأخلاق وإحياء الصلة القلبية بالله عز وجل فيها حلول لكثير من المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والحضارية.
الصراع موجود في هذه الحياة وهو من سنن الحياة.. ولكن السؤال هو ما موقعنا نحن من هذا الصراع وما موقفنا منه؟.. وما سبب أنا صرنا في حيّز الضعيف المهزوم أثناء هذا الصراع..
وهذا سؤال جوابه: إن علينا مهمة يجب أن نؤديها في هذه الحياة تجاه بعضنا البعض في إطار البيت المسلم، ومهمة في صلتنا مع الغير في خارج إطار البيت المسلم.. إن عدم إدراكنا لعظمة هذه المهمة، وعدم قيامنا بحق هذه المهمة هو الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه من التردي، وأوصل العالم أيضا إلى ما هو عليه الآن من التردي.
فما وصل إليه العالم من السقوط والتردي هو ثمرة من ثمرات تقصيرنا نحن في أداء واجبنا تجاه هذا العالم في ربطه بالله سبحانه وتعالى. ولهذا قامت صلاتنا بالخارج على غير اتزان، وبغير إدراك لعظمة المهمة.
فلما دخلوا مضمار الصراع أو مضمار العداوة للإسلام والتي لا تستغرب ممن انقطعت صلاتهم بمنهج السماء.. لم نستطع أن نقابل هذه العداوة بمسلك الهداية ومسلك الربط لهم بالله، وبمسلك إيقاف من ينبغي أن يوقف عند حده بالقوة إذا وصلنا إلى هذا الحد..؟
المشكلة من ذاتنا
علينا أن نرجع إلى ذاتنا.. فنعيد بناء ذواتنا.. المشكلة ليست في وجود العدو وليست في الخارج، العدو هو العدو، والذي ينتظر من العدو أن يساعد أو أن يأخذ باليد أو أن ينصف؛ فإنه يحتاج إلى إعادة تفكير وإعادة نظر في فهمه، المشكلة ليست من العدو المشكلة عندنا في داخلنا.
تجاوزها بإعادة منهج التربية الصحيحة في البيت المسلم، إعادة منهج التعامل القائم على الخوف من الله عز وجل في صلة المسلم بالآخر..
وربط ذلك كله بإعادة النظر في فقه مهمة الحياة. الله خلقنا لعبادته ولم يخلقنا للدنيا وأمرنا أن نحسن التعامل مع الدنيا من منطلق الخلافة( إني جاعل في الأرض خليفة) بالمعنى الواسع، وليس المحصور على جانب الحكم والسلطان فقط.
فإذا فقه أهل الإسلام هذه المهمة.. وهي العبادة، أن القصد والغاية هي العبادة، والمهمة عمارة الأرض بنحو يرضي خالق الأرض والسماء جل شأنه.. عندها سننتهض النهضة التي لا أشك فيها، أنها مقبلة وليست محل قلق بالنسبة للقلب، ولكن محل القلق هل يرتضينا الله عز وجل فيما يقبل على الأمة من خير وفرج؟ وهل يستخدمنا في ذلك أم لا؟
أصل إلى صنعاء إن شاء الله في القريب، وإنما عندنا هنا في تريم بعض الترتيبات متعلقة بدورات يقيمها شيخنا سيدي الحبيب عمر بن حفيظ في دار المصطفى للدراسات الاسلامية، فإذا فرغ منها إن شاء الله تكون هناك زيارة إلى صنعاء.
لا. ليس هناك سنوات قضيتها خارج اليمن، أنا مقيم في اليمن من سنوات كنت أخرج رحلات دعوية وأرجع، ومصر أذهب أزورها شهر أو نصف شهر، استقراري وجلوسي في اليمن، منذ أن تحققت الوحدة عام 90 م، وزوجتي وأولادي كلهم هنا في اليمن.
حراً في وطني
حدث ذلك في العام 97م حصل هناك التباس وسوء فهم لدى الجهات المختصة عندنا في اليمن، فتحفظوا عليّ لمدة أسبوع في سجن الأمن السياسي، ثم بعد ذلك لما اتضح لهم عدم علاقتي بأي عمل سياسي أو توجه سياسي.. وبعد مخاطبة علماء حضرموت الأخ الرئيس على عبد الله صالح في ذلك، صدرت توجيهات منه بأن يسمح لي بالبقاء في اليمن كما أريد وأن أغادرها متى أردت.. وهاتفني بالتلفون الأخ رئيس الجمهورية وفقه الله ورحب بي.. بعدها طاب لي القرار في حضرموت في اليمن وبقيت تسعة أشهر كاملة في حضرموت، ثم سافرت إلى دولة الإمارات تلبية لدعوة من وزارة الأوقاف، ثم رجعت منها إلى حضرموت فكانت حضرموت في اليمن هي المستقر لي من ذلك الحين إلى الآن، وأنا أسافر لرحلات دعوية ثم أرجع إلى حضرموت.
أبدا الحمد لله، لم أجد أي مضايقة بل وجدت التفهم الكبير من الدولة والمجال مفتوح لي هنا في المساجد والجامعات.
لم أحقق شيئا يذكر
ذلك صحيح.
لا أرى أني حققت بنفسي شيئا يذكر.. لكن الله عز وجل قد من علي وتفضل علي بالتعلق بخدمة هذا الدين، وبالصلة برجال من أهل الصدق مع الله سبحانه وتعالى أجد في كل جلوس لي معهم همة تتجدد في خدمة الدين، ووجدت بفضل الله تعالى في العالم ما يزيد القلب استشعارا بثقل المهمة التي ستقبل على الناس في الأيام القادمة، والتي يخبئ الله فيها للأمة من عجائب نصرته لدينه ما يحير الأفكار والأفهام.