الحبيب لفظ مصطلح عليه عندنا في حضرموت في اليمن، ينادى به من يشتغل بالعلم والدعوة من آل البيت النبوي، فالمودة والمحبة للنبي صلى الله عليه وسلم، هي الدافع إلى هذا اللقب، فإذا جئتم وزرتمونا في حضرموت، ستجدون هذه المحبة في كثير من الناس.
في القديم لم أحضر الى مصر للدعوة كنت أتردد على مصر متلقيا وليس ملقيا وشرفني الله عز وجل بالجلوس أمام فضيلة الإمام الشيخ محمد متولي الشعراوي وفضيلة الشيخ محمد زكي إبراهيم، وفضيلة الشيخ إسماعيل العدوي وفضيلة الشيخ عبد المجيد الشريف رحمهم الله تعالى. وما زلت أتبرك بالجلوس أمام الشيخ أحمد فرحات إمام مسجد الإمام الحسين والشيخ فرحات حلوه، وهو من بقايا السلف الصالح في مصر وقد جاوز التسعين ولم تسلط عليه الأضواء ومازلت أبحث عن الفرصة مع كثرة الالتزامات والمجالس لأذهب إلى الأزهر الشريف لأدرس على الدكتور على جمعة لأستفيد من علمه.
عندما ترددت على مصر في الطفولة كنت بصحبة والدي للتنزه فلأسرتنا صلة قديمة بمصر وسلكت بعدها هذا المسلك صرت أتردد على مصر للانتفاع بعلمائها وزيارة أهل البيت والصالحين الموجودين فيها: السيدة زينب والسيدة نفيسة والإمام الحسين رضي الله عنهم وأرضاهم, لكن وجدت في أثناء ترددي على مصر قلوبا محبة وبعيدة عن العصبية للتعرف على الدين والتفهم ووجدت إلحاحا من الناس على عقد المجالس المباركة، مجالس الذكر والصلاة على النبي والوعظ والإرشاد، وجدت المجالس تتسع من غير أن أخطط لاتساعها، فإذا بها تصل الى الحالة التي ترونها الآن.
مصر لها ميزتها لريادة العالم العربي والإسلامي وللأزهر دور كبير، لكن هذا الذي ترونه يحدث في مصر قريب منه يحدث في عدد من الدول، فأنا أتردد على الإمارات بنوع من التخصص أكثر، فلنا محاضرات في الجامعات والمساجد الكبرى والتلفاز, ونفس الشيء في البحرين وعمان والأردن ولبنان. وفي إندونيسيا نذهب في صحبة شيخنا الحبيب عمر بن حفيظ، ويحضر ندواتنا جموع تقدر بحوالي 60 ألفا.
وكذلك ذهبنا إلى كينيا، وتنزانيا، وجزر القمر,و أمريكا,و بريطانيا، وأيرلندا، وهولندا، وبلجيكا. والحمد لله وجدنا في الناس، مسلما وغير مسلم، ملتزما وغير ملتزم، شيئا من الإقبال، ليس في مصر وحدها، هناك سائق يسوق العالم، ويسوق الناس إلى الله عز وجل، والذي يدّعي من الدعاة أن له الفضل في ذلك، إما أنه لم يفقه أو أنه غير صادق مع نفسه في قوله هذا ، نحن لا نشعر بأن لنا دورا أبدا، نشعر بأن الله يسوق الناس سوقا، وأننا نتشرف بخدمة الناس لإقبالهم على الله.
ولا أخفي أن لمصر منزلة خاصة في قلبي وفي نفسي، وقد أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولها تاريخ مع أهل البيت النبوي في إيواء السيدة زينب في وقت أمر بإخراجها من المدينة ظلما وزورا، فبكت وقالت (( أُخرج من بلاد أبي وجدي )) فقال لها ابن العباس: (( ارحلي إلى مصر فلكم فيها أقوام يحبونكم لقرابتكم من رسول الله )). فكانت مصر مأوى أهل البيت وتوافدهم.
نعم تابعتها، لكن في الحقيقة لم أجلس إليهم حتى أتحقق من الطرح لكنها بادرة حسنة وإن كتبت لها الاستمرار والصحة، فأنها مؤشر لكثير من القواعد التي ندعو إليها, وهي أن الإنسان لا ينبغي أن يتبوأ مرتبة الإفتاء أو الخوض في الأحكام الشرعية قبل أن يجلس إلى أهل العلم، ولا يكفي للجلوس الى أهل العلم مجرد أخذ الشهادات لكن تحقيق المتون الفقهية والأصولية التي تأخذ بالإنسان إلى جادة فقه النص وربط النص بالواقع المعبر عنه بالفتوى.
الأمر الثاني: ينبغي لمن أراد أن يخدم في هذا المجال – خدمة الإسلام والدين- أن يكون له نظر في تسلسل تعاملات الدعوات الصادقة الخيرة النزيهة منذ صدر الإسلام حتى عصرنا هذا، وكيف تدرجت سلبا وإيجابا, صحة وخطأ في تعاملها مع تغير ظروف الواقع.
الأمر الثالث:إذا وجدنا من الناس صدقا وإرادة الإقبال والرجوع، فهذا شيء حسن، لكن لا ينبغي أن يكون من منحى سياسي فقط، بل ينبغي أن يكون جامعا بين المنحى السياسي والمنحى الشرعي الديني الذي هو الأصل في وجود هذا التوجه الذي تطور بعد ذلك الى مشكلة سياسية مع الدولة أو مع الناس.
لم أقرأ في فكرهم السابق بتوسع، لكن بلا شك النظر الى الحاكم أو إلى غير الحاكم ممن يقول لا اله إلا الله، ومحمد رسول الله، نظرة تكفير يدل على قصور كبير في فهم النصوص وروحها.
الأمر الثاني: الذي قد لا أكون على صواب فيه، لكنني تعلمته من مشايخي، ووجدته نتاج تجربة الواقع، أنه الصواب، هو أن العمل الإسلامي اليوم يحتاج الى مخاطبة الناس بفقه كيفية مخاطبة الناس ويحتاج الى مخاطبة الحاكم بفقه كيفية مخاطبة الحاكم، وليس بحاجة إلى الفكر في كيفية تغيير الحاكم. الحكام فيهم من هو على الخير، وفيهم من لديه من الخير ما يمكن أن يقوم فيتغلب على الشر الذي عنده. والنوع الثاني الذي يرى فيه أنه قد وصل الى حد يصعب التعامل معه فيه، فليس التوجه إلى تغييره هو الضابط في إصلاح الواقع. فإن الحاكم هو نتيجة إفراز في حال المجتمع الذي يحكمه{ وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا} (( كما تكونوا يولى عليكم )) كما ورد.
للأسف أن كثيرا من المشتغلين بخدمة الدعوة الإسلامية المسيسة. أو ذات التوجه السياسي يرون أن ذكر مثل هذه الآيات والأحاديث تورث السلبية في الأمة، لكنها آيات من كتاب الله و أحاديث وردت عن رسول الله، الخطأ أن نأخذها بمبدأ السلبية بحيث نقول: لا خطاب لنا أمام الحاكم، والخطأ أيضا أن نرميها أو نتركها. الحبيب لم يتحدث بها إلا ليعلمنا بأن هذا الوقت الذي يكون فيه هذا الظرف, وإذا أردت أن تكون صاحب تغيير,صاحب تصحيح, فكن صاحب صدق في التفريق بين إرادتك إيصال خير للناس, وبين إرادتك في أن تتبوأ رتبة موصل الخير إلى الناس, لهذا كان الشيخ محمد متولي الشعراوي- رحمه الله – يقول : إن الذي يقول إنه يريد أن يحكم بالإسلام, يشكك في مصداقيته, لأنه إذا كان صادقا لقال : أريد أن أُحكم بالإسلام بالضم ,والفرق كبير بين الحالين.
هناك فرق بين إنكار المنكر وتغيير المنكر. فإنكار المنكر من السهولة بمكان أن أقوم وأسب وأشتم، وأهيج الجماهير على من يرتكب المنكر ليضربوه، هذا كله قد لا يغير المنكر، والواقع يثبت ذلك. لكن تغيير المنكر أرقاه وأعلاه هو أن تصل إلى قلب مرتكب المنكر ليتغير المنكر بقناعة كاملة وتفهم كامل منه، أما استخدام القوة فقد جعل كثير من العلماء ضابطها يرجع إلى الحاكم لكي لا تكون المسألة مبتذلة على النحو الذي يأتي فيه الجاهل كي يضع نفسه موضع التصحيح بالقوة، فقد يكون هناك ما يراه الجاهل هذا منكرا، وهناك من العلماء من يراه مباحا، والقاعدة عند أهل العلم أنه لا يجوز إنكار ما اختلف في تحريمه.
تغير المنكر بالكلمة هو كيفية مخاطبة الجانب الحسن عند مرتكب المنكر لتستعين بالجانب الحسن الذي في نفسه على القضاء على الجانب السيئ الذي في نفسه، وهذا أرقى ما يمكن أن يغير به المنكر في أسلوب التخاطب والتعامل مع مرتكب المنكر على نحو يشعره بأن الذي هو عليه ليس من صالحه، وهذا المجال فيه متسع لغير الحاكم أي المحتسب في هذا الجانب. أما مسألة أخذ العصا أو السيف أو السلاح لتغيير المنكر في ظل وجود حاكم ليس بكافر لا مبرر صحيح له عندنا في الشريعة. وتغيير المنكر هو حال مع الله يكون في القلب يعبر عنه اللسان وتعبر عنه المعاملة، والفرق كبير بين أن أنكر عليك المنكر وبين أن أتدرج بك لتغيير منكرك. وقد يكون من وسائل تغيير المنكر السكوت عنه أحيانا، لهذا جاءت ( فمن لم يستطع فبقلبه) وفي كثير من الأحيان رأينا الناس يتركون المنكر دون أن نخاطبهم فيه لأننا خاطبنا الجانب الآخر من المعروف الذي أودعه الله فيهم.
كل تصرف يصدر عن جهاز في دولة بقصد الحفاظ على أمن هذه الدولة لا يزعجنا إذا كان هذا التصرف قائما على حقيقة التفهم والتقدير، لهذا ليس من الصواب أن ننزعج من التصرفات التي يحاول بها الأمن أن يتأكد ممن له تأثير أو أن له قلوبا تجتمع عليه.
كانوا يقولون في بعض الأيام انتبهوا مجالسكم يحضر فيها ناس من الأمن. قلنا نحن نريدهم أن يحضروا لكي يروا ويسمعوا الواقع حتى لا ينقل إليهم كلام غير صحيح ومشوش.
لا يتأتى أن يكون هناك داع إلى الله صادقا ويقصر دعوته على طبقة دون طبقة إلا من باب التخصص. وهذا لا ينطبق على الدعاة الجدد في مصر الذين يتهمون بذلك فقد رأيت في بعض مجالسهم الغني والفقير. أما كون بعض المجالس يتركز فيها الأغنياء، فكما أن الدعوة ليست مقصورة على الأغنياء، فهم أيضا ليسوا بممنوعين من الدعوة. نحن نعيش التطرف بمعناه الصحيح اليوم في مجتمعنا ونريد الوسطية فالوسطية تكون بين تطرفين. التطرف يقول إننا نركز على الأغنياء والفنانين والمسئولين، لأن الله يجعل على أيديهم قوة في التغير لا توجد في غيرهم، وهذا باطل، و إلا لما أمر الله حبيبه صلى الله عليه وسلم ألا يكتفي بمخاطبة الأغنياء: (أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى، كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره) التطرف الآخر أننا نجد من لا يريد أن تصل رائحة الدين الى هذه الطبقة و كأنها يجب أن تحرم من الدين وكأن توجه هذه الطبقة الى الدين يعد نوعا من التخلف أو الحالة النفسية التي تحتاج الى علاج كأنه مرض، هذا تطرف يؤدى الى الإرهاب في المجتمع لأنهم يقولون لمن يتجه صوب الدين سنستخدم معك جميع الأسلحة الإعلامية والثقافية، وسننبذك حتى تخاف على مصالحك وتتراجع أليس هذا إرهابا؟
لو أن واحدا من أصحاب الدعوة الإسلامية أو الخير هاجم بعض الأغنياء في الصحف و أتهمهم بأنهم يخرجون نساءهم متبرجات ويديرون الخمر في مجالسهم فيصبح هذا تطرفا وإرهابا وحجرا على الفكر ألا يكون الأمر الأول تطرفا وإرهاب وحجرا على الفكر عندما تصبح تهمة الغني أنه ذهب الى المسجد وحضر مجلس علم أو صاحب داعية من الدعاة هذا إرهاب ونوع من التطرف في التعامل مع الواقع الذي نعيشه.
لقد خاطبتهم في السنتين الماضيتين بأنه لا داعي للتكلفات، وإن كان ولا بد فليكن أرز بلبن أو فطائر(ساندويتش) لكن أيضا في المقابل بعد أن أقول لهم ذلك هم لم يرتكبوا حراما وهم بالأمس أنفقوا أكثر في حفلات أعياد الميلاد أو الزواج أو رأس السنة ولم نرى أحدا ينتقد ذلك فلماذا أصبح الإنفاق في الاحتفاء بالحبيب صلى الله عليه وسلم أو بالذكر ومجالس العلم هو محل الاقتصاد أو التوفير الذي يجب أن يقام كما أن المجالس التي ندعى إليها يأكل فيها الفقراء الذين يأتون للعلم، لكنهم قد يأكلون من الأطعمة ما لم يأكلوه في شهور مرت عليهم نحن الآن نتكلم عن إنكار المنكر وتصويب الخطأ، وهذا يحتاج إلى التدرج، فليس من الصواب أن أقول لهم إما تتوقفوا عن هذا وإما لا نأتي إليكم، هذا نوع أيضا من التشدد في التخاطب معهم.
الذين يجعلون قصدهم من الدعوة المقابل المادي، قد باعوا دينهم بدنياهم، والفقير بفضل الله لا يعطى مقابلاً على ما يعقده في المجالس ولا أطلبه حتى بقلبي، ولا أتصور أن هذا سيكون بمشيئة الله. لكن هناك أيضا من الفقهاء من قرر أن من أعطي أجرة مقابلة تعليمه لحاجة به، فليس هذا بحرام، إلا إذا تحولت إلى مقصد يترتب عليه تأثير على ما يقول وعلى ما يوجه. وأرقى المراتب ألا يأخذ الإنسان مقابلا وأسوأ الحالات أن يشترط الإنسان المقابل وأن يجعل كلامه وتوجيهه ومنهجيته من الخطاب مرتبطة بالمقابل. ويتفاوت الناس في مراتبهم، فمنهم من يشكو قلة ذات اليد فيحتاج إلى مقابل لأنه يفرغ وقته لمثل هذا الأمر. ومنهم من لم يطلب لكن إذا أعطى بطريقة غير سيئة فلا يرفض، فإن كان محتاج أخذ وأنفق وإن لم يكن محتاج تصدق به على الفقراء. وكنت قد اعتذرت لبعض أصحاب القنوات عن أخذ مقابل مادي. فقالوا لي إن فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي كان يأخذ ويعطي للفقراء والمساكين فأعجبتني هذه العبارة.
للأسف لم أسافر إليها من قبل لهذا أشعر بالعجز والجهل عندما أسأل عن الأوضاع هناك.
ادعوا الله أن ييسر لي هذا الأمل.
لأنني لم أستطع أن أرقى إلى مستوى تحليل ما يدور هناك، فوسائل الإعلام العالمية غير موثوق بها و الأشخاص المتهمون لم ألتق بهم، والمهمة الوحيدة التي أتمنى أن أقوم بها لو أتيحت لي فرصة السفر، هي الخدمة والمساهمة في إعادة بناء الدين لجيل من المسلمين هناك بعيدا عن الذي يراد بهم من التغريب الذي يركز عليهم فيه أو عن الصراع الديني الموجود حاليا.
أفغانستان تحتاج الآن إلى دعاة ومنفقين بالخير من غير مصالح ليطعموا الجائع الذي في المخيم حتى لا يطعمه صاحب دين آخر مستغلا ضعفه ليغير هويته.
حتى الآن لم يثبت أنهم وراء ما حدث في سبتمبر، وهذا سمعته من أكثر من مسئول في العالم الإسلامي. أما إذا كانوا هم من فعل ذلك فهو خطأ نتج عن مثله.
أحيانا يريد الإنسان الخير ويكون مخلصا في إرادة الخير، لكن لعدم وجود الفقه الصحيح قد يضر بالدعوة من حيث يظن أنه ينفعها، وقد يضر القائمين بالدعوة من حيث يظن أنه ينفعهم، لكنني أأكد أن هناك فرقا بين آثار أحداث 11 سبتمبر السيئة على المسلمين وآثارها على الإسلام. فالإسلام لن تضره أحداث سبتمبر ولا غيرها ولا ينفعه كذلك شيء مما يحدث. الإسلام هو دين الله، وفي نهاية الأمر هو المستفيد من الخطأ والصواب، لأن الله تكفل بحمايته، والذي تراه الآن في دول الغرب وأوروبا من قوة الإقبال على الإسلام بعد الأحداث أكبر دليل على ذلك. أما آثار ما حدث على المسلمين فهي التي تحتاج إلى تأمل، لأنها آثار سلبية مكنت أعداء الإسلام من أن يجدوا المبررات الكافية لضرب الإسلام وإيجاد الفرقة بين صفوف كثير من المسلمين وأضعفت المجتمع المسلم في الغرب، وأوهنت دولنا وشعوبنا في تعاملهم مع الواقع.
المسلم يحتاج أن يفهم دينه فهما صحيحا، والله عز وجل يقول (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) فربط تغير الواقع المحيط بنا بتغير أنفسنا نحن، وجعل تغيير الواقع منسوبا إليه، وجعل تغيير الأنفس منسوبا إلينا. نحن نحتاج الآن أن نرجع إلى ذواتنا ونخرج من مرحلة تعليق أخطائنا على الغير، فلا نفر من أخطائنا بالنظر إلى أخطاء الغير. نحن نعاني ضعف الإيمان نعاني، جهلا مركبا لفهم ديننا عند كثير من المهتمين بخدمة الدين فضلا عن غيرهم.
قبل المقاطعة لا أرى في يومي ما أحتاجه لأشتريه، ليس لدي وقت للتنزه وشراء الكوكاكولا أوالبيبسي، فالمقاطعة بالنسبة لي كفرد لم تزد شيئا.
أما المقاطعة كفكرة فأرى أنها يجب ألا تقف عند هذا الحد، أي لا تكون سلاحا كرد فعل فقط، بل يجب أن تتحول إلى بناء لمجتمعنا بإيجاد البديل الوطني، الذي يخدم اقتصادنا، فإذا تحول التعامل مع المقاطعة من الاقتصار على فكرة المعاداة فقط، إلى الفكرة التي ندعو إليها وهي نقد الذات وبناؤها وليس فقط ردع العدو، وإلا لو لم يعادنا أحد هل نستسلم لما نحن فيه؟ نحن مطالبون شرعا وفرضا علينا أن يكون عندنا اكتفاء ذاتي ليومنا وليلتنا، حتى لا يكون قرارنا بيد غيرنا.
إذا كان هذا لمرحلة فنعم، أما إذا كان اعتمادا فلا، الرسول صلى الله عليه وسلم، كان في بداية الأمر يأخذ سلاحه من اليهود الذين كانوا في المدينة ليقاتل المعتدين من كفار قريش ومن معهم، إلى أن وجد من الصحابة من يستطيع أن يتقن هذه الصناعة ووجد في موقف اليهود من العداوة والمكر والغش ما يحملهم على أن يغدروا به عند حاجته، فخاطب عددا من المسلمين بأن يفقهوا هذه الصناعة واستغنى عن اليهود.
من الناحية الفقهية من الممكن أن ترجع الى المفتي في هذا الجزء، ومن الناحية العلمية تحتاج إلى الرجوع إلى المتخصص ليقول لنا هل هناك أمانة فيما أعطوه لنا أم أنه أحدث أضرارا بزراعتنا. أي إذا وصلنا الى أنه لا يوجد من يعلمنا الزراعة إلا هم – وهذا غير واقع- فمع الحذر الشديد من الممكن أن نتعلم منهم. المهم أن تكون لدينا من التقنية العلمية ما نستطيع به أن نميز بين الصالح والطالح مما نأخذه منهم.
نعم بلا شك.
جميع أنواع الفن التي لا توجد فيها حرمة في ذاتها، ثم لا توجد حرمة في وسائل تطبيقها، هي محل خدمة لقضايا المسلمين. كثير من القضايا التربوية ..الاجتماعية..الثقافية.. الوطنية.. الجهادية من الممكن أن تؤسس بطريقة صحيحة في نفوس الناس عن طريق الفن المتصل بالأخلاق.
مشكلة التعامل مع المرأة ليست فقط في الجانب الفكري والعقلي الذي يطرح. فصلة الرجل بالمرأة ليست مجرد صلة فكر أو صلة عقل، بل هي إضافة الى ذلك صلة أخلاق ونفس وغريزة، ويصعب الفصل بين مخاطبة الغريزة ومخاطبة العقل عندما يتحول الأمر الى منظر يرى أمام العين. والذي رأيته من الأدوار للمرأة محصور وقليل، ومن الناحية الفقهية إذا كان يجوز أو لا يجوز يمكنك أن تسأل فيه أهل الإفتاء.
ما رأيت تجربة إيران، وإن شاء الله سوف أراها، فإذا وجد ما تذكره فبلا شك هذا الذي نريده نافعا للناس.