حاوره \ ماهر درهم
عندما يتجرد العالم عن أي تبعية .. فإنه يبدع في عطائه وفي خدمة دينه ومجتمعه ..
استلمت رد الحبيب علي الجفري على أسئلتي التي طرحتها عليه.. مذيلة بإعتذار منه على تأخر الرد .. في أدب قد عهدناه منه.. وعهده كل من تعامل معه أو اقترب من شخصه الكريم..
العالم الجنوبي الحبيب علي زين العابدين الجفري الذي يعتبر من أكثر الشخصيات تأثيرآ في العالم العربي والاسلامي يتفضل بالرد على أسئلتنا التي وجهناها إليه حول انتشار الحبوب المخدرة في الجنوب وخطورتها على الشباب ، وحول القضية الجنوبية وفتاوى نظام صنعاء بتكفير الجنوبيين والتي ما زالت تنهال منهم بين الفينة والأخرى دون رادع أو وازع أو خوف من الله تعالى وكأنهم أوصياء على الدين أو كأنهم أصحاب الحق والمفوضون من عند الخالق لتكفير من شاؤا .. فهنا يصدح الحبيب علي الجفري بكلام الحق ويخرس ألسنة المتقولين بالباطل .. ويضمن كلامه بنصائح وتوجيهات للشباب الجنوبي أقل ما توصف بأنها رائعة وجاءت في وقتها .
فإلى الحوار :
الحمد لله.. وأسأل الله لنا ولهم العافية والتوبة..
وللشباب يقال:
أنتم أمل البلاد وإن عضّت عليكم بضرسها، غير أن الهروب ليس من شيم الشجعان فلا تهربوا من مشاكلكم إلى جحيم المخدرات ولا تُضيعوا دنياكم وآخرتكم..
وللمُوَردين المتاجرين بالمخدرات:
إن ما تفعلونه جريمة قتل بل أشد، ولن تطيب لكم الأموال التي تجنونها من هذه الجريمة في الدنيا وسوف تحاسبون عليها في الآخرة، وأخشى على أولادكم من عواقب ما تفعلونه بالشباب.
ويُقال للدولة ومؤسساتها وللنُخب القادرة على التوجيه وللتُجّار القادرين على مد يد العون بالوظائف والمشاريع الصغيرة للشباب:
الأمانة تجاه هذا الجيل ثقيلة وقد عظُم دَين الحقوق التي للشباب علينا، وأثقل كواهلنا.
وللآباء والأمهات:
ليست مهمة الوالدين تقتصر على توفير الطعام واللباس والمسكن فحسب بل تمتد إلى التربية الصالحة وحسن الرعاية.
بالثقة بهم، واحترام عقولهم، وإعطائهم حق الخطأ وتصحيحه أثناء مسيرتهم التي يحاولون فيها البناء، وجدّية الإنصات إليهم، والنظرة إلى رُؤاهم ومطالبهم من زاوية واجب الخدمة لهم وتقديم الخبرة والمشورة والعون إليهم، ليقوموا بدورهم في بناء الوطن وليس من زاوية الاستغلال لهم وتوظيفهم في سياق تحقيق طموحاتنا أو اتخاذهم سلالم لرغباتنا.
السؤال كبير لكن يمكن إيجاز الإجابة في الانتباه إلى إصلاح الخلل الأخلاقي القيمي الذي نعاني منه، وتقويم الانحراف الحاصل في فهم الدين بطريقة أدّت إلى فصل مفهوم التدين عن الاستقامة في معاملة الآخرين والأمانة في أداء الحقوق.
أُذكّر نفسي وأُذكرهم بقوله تعالى: {وإذْ أخَذَ اللهُ ميثاقَ الَّذين أُوتُوا الكتابَ لتُبَيِّنُنَّهُ للنَّاسِ ولا تَكْتُمُونَه فنَبَذُوْهُ وراءَ ظهورِهِم واشترَوا بِهِ ثمنًا قليلاً فبِئْسَ ما يشترون * لا تَحْسَبَنَّ الَّذين يفرحُون بما أَتَوا وَّيُحِبُّون أن يُحْمَدوا بما لم يفعلوا فلا تحْسَبَنَّهُم بمفازةٍ مِّن العذابِ ولهم عذابٌ ألِيم}.
وبقول النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه البخاري في صحيحه: “إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة”.
{كَبُرَتْ كَلِمَةً تخرجُ مِنْ أفواهِهِم إنْ يقولونَ إلا كَذِبًا}.
هذا التحريض على القتل شراكة فيه ونسبته إلى الدين خيانة له، وهذا لا يصدر عن عالم حقيقي، فالوحدة والانفصال خياران سياسيان تُعيدهما الشريعة إلى ميزان المصلحة والمفسدة المترتبة على كل منهما، وإلا أصبحت دعواهم هذه منطبقة على التكفير واستباحة الدماء على جميع الدولة الإسلامية التي لم تتحد سياسياً وهذا ما لا يشك عاقل في بطلانه.
ونحن دعاة وحدة للأمة كلها فضلاً عن وحدة الشمال والجنوب، غير أنّ الوحدة الإسلامية تنبع من تقارب القلوب المؤمنة المتحابّة والقناعات النابعة من وعي الشعوب وتقوم على العدل والإحسان ولا تُفرض فرضاً بالتهديد والترويع بسيف الدين أو مدافع الجيوش وهدير الطائرات.
وقد كنّا نسمع فتاوى بعضهم قبل الوحدة وهي تُحرّم الوحدة مع شعب الجنوب الذي كانوا يعتبرونه شيوعياً كافراً، ثم سمعناهم يُفتون بالجهاد ضد الجنوبيين عام ٩٤، ثم اتحدوا مع الاشتراكيين الذين كانوا يُكفرونهم ضد النظام الحاكم، والآن يعودون إلى فتاوى الدماء!
ألا يخجلون من هذا التقلب الشنيع والتلاعب المشين باسم الدين؟
ثم إننا نجد من أبناء المناطق الجنوبية الذين ينتمون إلى نفس المدرسة السلفية التي ينتمي إليها أصحاب هذه الفتاوى الدموية مَن يصطف في صفوف المطالبين بالانفصال فهل يعتبرونهم من المطالبين بالكفر أيضاً؟ إن هذا المسلك يُفقد الثقة في الطرح ويجعل الناس تسيء الظن بهم وتنظر إليهم على أنهم يتقاسمون الأدوار ليجدوا مكاناً مع المنتصر من أي الفريقين.
كل منّا قد تكون له مواقف قابلة للتغيير وإعادة النظر كما أنها قابلة لاختلاف أبناء المدرسة الواحدة لأننا بشر غير معصومين لكن لا يمكن أن نعطي لمواقفنا عصمة الشرع المصون، وكفانا تلاعب واستغلال لولاء الناس ومحبتهم لدينهم حتى لا نوصلهم إلى اهتزاز الثقة فيه لا قدر الله.
الكثير من أبناء الجنوب أصيبوا بالتذمر بسبب صمت العلماء المسلمين ضد الفتاوى التكفيرية التي تصدر بحقهم فهم يقتلوا باسم الله، لماذا هذا الصمت؟
من بلغته هذه الفتاوى فعليه التنبيه على خطأ ما فيها، غير أن صداها لا يصل إلى أكثر العلماء في ظل سرعة تتابع الأحداث وتداخلها في المنعطف الخطير الذي تمر به المنطقة، ولو وجّهوا إليهم السؤال لأجابوهم ووضحّوا لهم، كما أن أحداً من الأطراف المتنازعة لم يستفتِ العلماء الربانيين الذين عفّت أنفسهم عن الطمع في السلطة ولم يستشيروهم في المواقف التي اتخذوها، فإذا حمي الوطيس وتعقّدت الأمور نسمع من يقول أين دور العلماء؟!
والفرق بين العلماء الربانيين وغيرهم أنهم ليس لهم طمع في السلطة ولا ينافسون أحداً عليها لهذا تكون فتاواهم ومشوراتهم لمن طلبها نابعة مما يفهمونه من شرع الله دون تحيز إلى موقف سياسي على حساب آخر.
إخوتي..
- لكم أن تطالبوا بحقوقكم وأن تسعوا إلى نيلها بالطرق المشروعة فما ضاع حق وراءه مطالب، وإن أحزنكم خذلان الناس لقضيتكم وأغضبكم تجاهلهم لمظلمتكم فإن هذا يحملكم على الالتجاء إلى من لا يخيب راجيه سبحانه وتعالى، والتوبة من الذنوب، وحمل النفس على الاستقامة وتقوى الله في تعاملكم مع من يوافقكم أو يخالفكم والعاقبة للمتقين.
- الحرّ يغضب ولكنه لا يُقر قلبه على حقد، ومن ذاق مرارة الظلم لا يرضى لنفسه أن يرتكبه تجاه من هو أضعف منه، كإخوتنا من الباعة المتجولين القادمين من المناطق الشمالية فإن أكثرهم من ضحايا الظلم الذي تشتكون منه.
وصاحب الحق الذي يثق في عدالة قضيته لا يحتاج إلى الانحراف عن المسلك الأخلاقي الصحيح في مطالبته بحقه ولكنه يحتاج إلى عزم وهمة وصبر مع حسن الرجاء في فضل الله وعظيم الثقة به وشريف التوكل عليه.
- ما ترونه من تظاهرِ بعض دُول المنطقة بنصرتكم ما هو إلا بريقٌ زائفٌ، وبرقٌ خُلّبٌ، وسرابٌ يحسبه الظمآن ماء، وهو محاولة لاستتباعكم ونشر توجهاتهم الطائفية في بلادنا، وتوظيف قضيتكم العادلة في إطار أهدافهم الخاصة وصراعاتهم الإقليمية الضيقة، وقد ظهر ذلك من الكوارث التي سببوها في بلاد أخرى، فلا تستجيبوا لمن يعمل من أبناء بلادنا وزعاماتها، بوعي أو دون وعي، على تمكينهم من إيجاد موطئ قدم لهم في بلادنا.
فلستم بصدد الانفكاك من سنوات الظلمِ لتقعوا في شباك استغلال ظالم آخر أو توظيف مظلمتكم في خدمة أهداف غيركم.
- وإلى الساسة القدماء والزعامات السابقة:
آن الأوان لأن تفسحوا الطريق للشباب ليقودوا مسيرتهم ويبنوا بلادهم بما يتناسب مع زمانهم منطلقين من هُويتهم وقيمهم، لذا أقترح عليكم أن تتركوا القيادة لهم وتدعموهم بمشورتكم وخبرتكم والمتوفر من إمكانياتكم متى احتاجوا إليها، دون محاولة لحملهم على شيء لا يرونه مناسباً.
وكونوا على ثقة بأن في الشباب من ذوي العقول المستنيرة والأخلاق الفاضلة وحسن التصرف والقدرة القيادية الراشدة وحسن التخطيط ما سوف يُذهلكم، وقد خضتم تجربتكم في شبابكم ونلتم فرصتكم وقدمتم ما أوصلكم إليه اجتهادكم صواباً وخطأ، فلا تكونوا اليوم حاجزاً بين الشباب وحقهم في رسم معالم مرحلتهم وتحمل مسؤوليتها.
أسأل الله الفرج ودفع الضيم والحَرَج وأن يشد أزرَكم ويحفظكم ويوفقكم.
عندما يتجرد العالم عن أي تب..