الحمد لله رب العالمين، الموفق والمسدد والمعين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وعلى آله وصحبه والتابعين.
لا أعلم من نفسي ما يستحق أن تلتفت إليه الأنظار، وحصول الاهتمام الإعلامي. وكثرة الجدل، والتفاف الناس، لا يعد وحده مؤشر نجاح في حق الداعية. وإنما مؤشر النجاح: حصول الإخلاص، والصدق في نفسه، وحصول الإقبال على الله، والهداية ثمرة في من حوله او من يتصل به. والصفوة بمعناها الدنيوي لا ينبغي لصادق الاستشراف إلى أن يكون داعيتهم، كما أنهم ليسوا بمحرومين أو ممنوعين من نور الدعوة. والصفوة بالمعنى الديني فأسأل الله عز وجل أن يجعلني مدعواً بحق، من قبل الصفوة حتى أكون داعية للصفوة. وحقيقة الجدل ترجع إلى تعطش الأمة إلى الهدي النبوي، وقوة الاضطراب الموجود فيها، من جرّاء ما يحصل وما يدور حولها. والله ولي التوفيق.
يقال وقد كثر السؤال عن هذا الأمر. إن الفنانين فئة من فئات مجتمعنا، فيهم من الخير الشئ الكبير ولديهم التعطش والحاجة إلى الإقبال على الله؛ لأنهم من المسلمين. فإذا وجد من يخاطبهم بمحبه ورحمه وتحبيب للخير، فهم من أكثر الناس استجابة لهذا الخطاب. والعلاقة الدعوية لم تقم على أساس بحث عنهم أو سعي وراء التفافهم؛ لأن هذا ليس بمطلب عند الصادقين ممن يدعوا إلى الله، وإنما بإرادة من الله ساق قلوبهم ليستمعوا ولينصتوا وليقبلوا. وسبحان الموفق.
الصادق في الدعوة لا يستهدف الشهرة بل يهرب ما استطاع منها، فإن فرضت عليه استعاذ بالله من الالتفات إليها، وسأل الله أن تكون حجة له لا عليه؛ لأنها ليست بتشريف، فإبليس من أشهر المخلوقات، وفرعون من أشهرهم، وهامان من أشهرهم، وليس لهم فضل بهذه الشهرة. وكم من صالح قريب عند الله يجري الله على يديه من الآثار في الأمة الشئ الكثير ولا يعرفه أحد.
ربما لأن الناس لم يعتادوا أن يسمعوا، أو أن يروا للفنانين إقبالا على الله، أو ربما لأنهم محل أنظار الناس لشهرتهم، فما يجري في أوساطهم يلفت الأنظار دون غيرهم. ونسأل الله الا يكون السبب وجود أفراد من الأمة أو توجهات في الأمة لا تحب أن ترى أنوار الهداية في الناس، وفي كل الأحوال (ويأبى الله إلا أن يتم نوره).
بعد مضي أيام طيبه في مصر من الإقبال على الله، والتفاف الناس على الخير واستماع مختلف طبقاتهم من أبسطها إلى أكثرها تعقيدا ومكانه عند الناس. جاءني من جاء ممن يبلغني رغبة المسئولين في السفر من مصر ففعلت , وهذه هي المسألة بكل بساطه. وفي المسألة تنبيه لي لتحقيق الإخلاص مع الله. وفي الأيام التي ستقبل ما هو كفيل بإنضاج القرار في العالم الإسلامي و ترسيخ ضرورة التعاون مع الصوت المعتدل المتزن، حتى لا يفسح المجال أمام الأصوات التي فيها الغلو والتعصب.
لا ينبغي أن يُنظر إلى الدعاة بأنهم محل غيره، أو محل حقد، وإن كنا من البشر الذين يتعرضون لمثل ذلك؛ لكن لا أرى أبدا أن أسباب السفر من مصر هي من قبل الدعاة فإني أربا بهم أن يكونوا من هذا النوع. وأقول للذين يتحدثون بمثل هذا الحديث، اتقوا الله عز وجل في أهل العلم، وأهل الدين، وأهل الدعوة. والصلة بيننا وبين الدعاة والعلماء في مصر بفضل الله، صلة طيبة وبيننا وبينهم تعاون على الخير وتناصح.
لكل حدث حديث، ومصر بلاد الإسلام، وبلاد العلم، وبلاد الدعوة، ولاشك أنها محل عناية من الله، ونظر، وهي كنانة الله في أرضه.
من العجائب أن نجعل مقاييس التشدد والوسطية تبعا للأهواء. ما هو المقصود بالوسطية؟: أن يتوسط الإنسان في سيره في الحق، في دعوته إلى الحق. وليست الوسطية أن أكون بين حق وباطل. مسألة مصافحة النساء جمهور العلماء أكد على تحريمها، وينقل على ألسنة بعض العلماء وجود أقوال بالإباحة. فإذا كان الإنسان أراد أن يحتاط لدينه ويأخذ بالراجح يكون متشدداً؟!!. إذا جعلنا مقياس التشدد مربوطا بالأهواء، فهو مزلق خطير في تعاملنا مع الله عز وجل، بأن نجعل أهواؤنا هي التي تميز حكم الله سبحانه وتعالى. ثم أسأل أي تقدم أو حضارة أو إنجاز، سيحجب إن لم نصافح النساء ولم يصافحننا النساء، كما أني أسأل المجتمعات التي يصافح الرجال فيها النساء ويصافحن النساء فيها الرجال، أي تقدم وصلوا إليه وأي حضارة وصلوا إليها.
ينبغي أن نتجاوز حالة التقليد الأعمى للعادات، والتقاليد التى عند الغير، وأن لا نجعل عقدة شعورنا بتفوقهم في بعض الجوانب تنسخ هويتنا. هناك أمم كما كرر ذلك مراراً كالصين واليابان تحية الرجل والمرأة إشارة الرأس، ومع ذلك استطاعوا أن يتقدموا، ونقول يا من يبحث عن التقدم، كونوا جادين في فقه مهمتكم، وفي إتقان الأسباب التى أقامها الله عز وجل.
عندنا ثوابت في التعامل مع الغير، وعندنا أساليب من الممكن أن تتنوع حسب الحاجة وفق الثوابت. ومن الثوابت أن مهمتنا مع الشرق والغرب هي طلب هدايتهم وبث نور الإسلام فيهم. وأننا نحتاج إلى أن نَخرُج من الشعور بالهزيمة والعجز. وأن نخاطبهم خطابا نوصل به إليهم هدي الإسلام، وهم في أشد الحاجة إلى هذا الهدي، ونحن في أشد الحاجة إلى أن يرتضينا الله لإيصال هذا الهدي إليهم.
يقال عن أحداث سبتمبر – بعيدا عن تقييم هل هي خطأ أو صواب – في الكلام عن نتائجها. نقول أنها أثمرت: في نفوس الغربيين قوة استعداد لفهم السلام. وفي ذلك حكمه ظاهره وباطنه:
أما الظاهرة العقلية المحسوسة: هي أنهم شعوب تعودوا أن يعتنوا بالغير بقدر حاجتهم إلى الغير أو بقدر تأثير الغير وأثره فيهم، وفي السابق لم يكن في مجتمعاتهم من يدرك تأثير الإسلام أو أثر الإسلام عليهم وعلى حياتهم، إلا القليل من الذين ينظرون بزاوية اقتصادية أو سياسية معينة؛ لكن الغالب منهم لا يرون في الإسلام ما يلفت النظر لم يروا في الإسلام ما يمكن أن يؤثر على حياتهم. بعد الأحداث شعروا أن الإسلام مس حياتهم بكل جوانبها، لما أُوصل إليهم بوسائل الإعلام بأن الإسلام هو السبب، ومفاهيمه هي السبب فيما حدث، فصار كل حديث عن الإسلام يجذب الأنظار، (فلو وجدوا من يحسن العرض لحقيقة الإسلام لأقبلوا). وهناك سبب وحكمه باطنه: يريد الله تعالى بها أن نفقه أن الإسلام هو دين الله لا يستطيع أحد بإحسان أو بإساءة أن ينفعه أو أن يضره، فإن أحسن المسلمون انتفعوا هم بانتشار الإسلام، وإن أساء المسلمون تضرروا هم أيضا بانتشار الإسلام، وسينتشر الإسلام في كلا الحالتين.
حوار العقل المربوط بالقلب هو الذي نحتاج إليه الآن، أن نعمل العقل والفكر في ما دلنا الله تعالى عليه، بقلوب متيقنة بصدق ما يحدونا الله تعالى إليه، وحاجة الزمان والمكان إلى ذلك. فإذا ارتبط عند الداعية حديث العقل بحديث القلب، ولم ينفصل هذا عن ذاك وامتزجا في قالب واحد. فهي الوسيلة التى يعظم بها الأثر في القلوب بإذن الله تعالى.
الذي يعيب بعضا من المسلمين في الحوار مع الغير:
أولا: غياب – في كثير من الأحيان – لمعنى الرحمة في القلوب، وإرادة إيصال الخير ومحبته لهم.
وأحيانا: غياب لحقيقة الثقة بأن ما ندعو إليه من دين متصل بالله يتناسب مع حاجة الغير. نحتاج إلى ترسيخ هذين المفهومين بقوة بالمعنى الصحيح.
أيضا: ألا نتخاطب مع الناس من منطق تفكيرنا نحن، ومسلّماتنا نحن؛ لأنهم يفكرون بغير طريقتنا، ومسلّماتهم غير مسلّماتنا، وقد تتناقض أحيانا مع مسلّماتنا. فينبغي بثوابتنا أن نتخاطب معهم بأسلوب يتناسب مع طريقتهم في الفهم والعقل. وألا نغفل مخاطبة أرواحهم المتعبة، من وطأة الماديات التى هم فيها. أيضا من المشاكل التي تحصل من بعض المسلمين في الدعوة في الغرب، وفي الحوار مع الغير في الغرب، أنّا ننقل إليهم مشاكلنا ونتخاطب معهم من منطلق قضايانا، وهي لا تمثل لديهم شيئا يستدعي الاهتمام. فمن حسن خدمتنا لقضايانا، أن نتخاطب معهم بصدق في قلوبنا واتقانا في ألسنتنا وفي وسائلنا، من منطلق حاجاتهم وقضاياهم في كيفية حلها…عندهم مشاكل أسرية، عندهم مشاكل اقتصادية، عندهم مشاكل اجتماعية ونفسيه ، عندهم من الأزمات ما إذا خاطبناهم في حلها مس خطابنا لقضاياهم قلوبهم فأقبلوا، فإذا أقبلوا وصدقوا مع الله، انبسطت بسط الهداية، وحُلت قضايانا من الجهات التى تتعلق بهم تلقائيا.
الذي يمكن أن يقال في الفهم الصحيح لحوار الذات المسلمة هو أننا نحتاج أن نعود إلى منطلق البحث عن وجه الخطأ الذي يصدر منا، والتقصير الذي عندنا، ومن خلاله ومن خلال تقويمه نرقى إلى حسن مخاطبة الغير، على وصف يمكننا الله تعالى فيه من الوصول إلى ما نريد من هذا الغير، إما بإقناع المنصف منهم، أو بإرغام المجحف منهم.
حوار الحضارات: نحتاج حتى يكون الحوار ايجابيا إلى أمر فينا، وأمر مشترك بيننا وبين غيرنا ممن نحاور.
الأمر الذي فينا: أن نتقن حوار ذاتنا في الأمور التي نختلف فيها، وأن ننطلق من منطلق صحيح لفهم عظمة ديننا، وأن نحسن اختيار من يحاور عنا. أما أن يذهب من المسلمين، انتماءا للإسلام وراثيا أو جغرافيا – كما يقولون – ليحاور عن الغرب، وهو منتمي في فكره وفهمه ووجهته إلى الغرب، فأين الحوار بين الحضارتين؟ هو ذهب بفكر منتمي إلى تلك الحضارة ومصبوغ بتلك الحضارة ومُوَالٍ لها، وعند اختلاف مفاهيم تلك الحضارة مع مفاهيم دينه يرجّح مفاهيم تلك الحضارة ، فإذن هو يحاور نفسه، فأين التنوع في الحوار؟ وأين الحضارتين اللتين تتحاوران؟ إذا أردنا أن نحاور غيرنا يجب: أن يكون المحاور منا. ليس فقط منا انتماءا للدين على العموم، ولكن منا فكرا ووجداناً ويقينا وذوقا وارتباطا بهذا الدين. ثم فيما يتعلق بالأمر المشترك بيننا وبينهم: نحتاج إلى أن يكون في الحوار مقومات الانتفاع بالحوار، مقومات أن يكون الحوار مثمرا. بأن يحجب حال الحوار أمر التفوق أو التفاوت في القدرات، عن فرض الرأي أو عن إيصال الصوت ليكون الحوار محايدا منصفاً. ثم تكون نتائج هذا الحوار ملزمة، وإن لم تكن على وفق مراد من يطرح اليوم الكلام عن الحوار من الجهات الأخرى للوصول إلى نتائج تخدم توجهات معينة، وإلا تحول الأمر إلى صراع. مهمتنا نحن المسلمين تتويج ثمار الحضارات؛ لتنتظم في سلك حضارة بعمق الاتصال بالحق سبحانه وتعالى، ووجه الإحسان في التعامل مع هذا العالم، ليس فقط الإنسان بل مع العالم.
الداعية الذي نحتاج إليه: المخلص الصادق، الذي أخذ قدرا من العلم حسناً من مصادره، العامل بما يعلم، المتبرئ إلى الله من الحول والقوة ، المعتقد الثمرة من فضل الله لا من جهده، المنكسر الذي يرى الفضل لمن يخاطبهم ويدعوهم لا له، القوي الصلة بالحبيب صلى الله عليه وسلم.