الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد، منذ أن أسس سيدي الحبيب عمر بن حفيظ جزاه الله ورعاه هذه الدار وأثار النية الصالحة الخالصة لوجه الله عز وجل بادية على ما تمر به الدار من مراحل.
النية في التأسيس التي لها الأثر الكبير في بلوغ الثمرة في تحقيق مثل هذه المقاصد لدار المصطفى والقائمون عليها يرون أنها البداية في تحقيق المقاصد الثلاثة وهي العلم والسلوك والقيام بالدعوة إلى الله، وليس لها منتهى حتى تستطيع أن تقول قد تحققت إلا أن لها بداية يتفاوت الناس في الوصول إلى ما ييسره الله من نهايات.
دار المصطفى امتداد لتاريخ مر في هذه البلاد المباركة وكان لها دور كبير في هذا المسلك الذي ذكرته من تزكيه النفس والصدق مع الله التي لا تنفصل عن أداء الواجب في واقع الحياة، والمتأمل تاريخ اليمن وحضرموت من ارض اليمن يرى الأثر الكبير للمتقدمين في هذا المنهج الذي ساروا عليه في الدعوة إلى الله ونشر الفضيلة في خدمة الدين في داخل اليمن وخارج اليمن بل وفي تحويل بعض البلدان في العالم من بلدان غير مسلمه إلى بلدان مسلمه بغير قتال وبغير إراقة للدماء. فدار المصطفى امتداد لهذا التاريخ الذي قد مضى وهو من مظاهر التجديد وعناية الله عز وجل بهذه الأمة، فالمناهج الصائبة السديدة الصادقة مهما جاءت الظروف الشديدة والقاسية ومرت بها فإنها لا تنتهي ولا تنقضي ولا تضعف في وقت شدة الضعف الذي عليها، لكنها سرعان ما تستعيد همتها وتجددها للقيام بواجبها.
الفقير إلى الله بقدر المستطاع أتردد على نواحي اليمن في داخل حضرموت وساحلها وبعض المناطق الأخرى في البلاد، وأيضا إخواننا القائمين على الدعوة نفسها من خريجي دار المصطفى ومن المدرسين لهم تردد على المناطق وحركة فيها للدعوة إلى الله، وعندكم في الساحل الحبيب كاظم السقاف والحبيب عبدالرحمن بن حفيظ والحبيب أحمد عيديد.
الإسلام الحقيقي بعد أحداث سبتمبر هو الإسلام الحقيقي قبل أحداث سبتمبر وهو ثابت لا يتغير بتغير الأحداث إلا إن الأحداث تحدث تغيراً في النفوس على قدر المفارقات التي في هذه النفوس بين فقه ثوابت المتغيرات وبين قوة الإلتفات إلى الواقع، الناس بين نوعين من الغلو في فهم الارتباط بين الواقع وبين المرجعية فالمرجعية ثابتة لا تتغير إن كانت صائبة والإسلام هو المرجعية الصائبة لأنه دين الله الذي جاء لكل مكان وزمان، فإن حسن الصلة بالمرجعية الصائبة يترتب عليه حسن الصلة بالواقع سواء كان هذا الواقع مريضا أو صحيحا فإن كان صحيحا بإقراره و إن كان مريضا بتصويبه ومعالجته، والناس بين منشغل بالمرجعية بفهم محصور يزيده بعدا عن الواقع والتعامل معه وبين منشغل بالواقع المريض إلى حد يكاد يفصله أو ينزعه عن قوة الصلة بالمرجعية. نحن نحتاج إلى الوسط بين هذين المسلكين وهو حسن التعامل مع الواقع على أساس من الارتباط بالمرجعية، ومن الأزمات التي نعانيها عند الكثير ممن يريدون أن يخدموا الواقع بالمرجعية أن تصور الواقع يحصل بعيدا عن المرجعية ثم يؤتى إلى المرجعية وهو الدين ليحاول الجمع بين الواقع الذي تُصور أو أُخذت الفكرة عنه برؤية أو بمنطلق أساسه الفهم الصحيح للدين، فالتصور أصلا مختل فيؤتى بهذا التصور المختل ويحاول أن يجمع بينه وبين المرجعية الصحيحة فيتعذر ذلك و يحصل عند ذلك اضطراب عند كثير ممن يعملون في مجال خدمة الإسلام والدين، يحصل بعد ذلك من الاضطراب وسوء التصرف ما قد يجلب على المسلمين – لا على الإسلام – كثيراً من الويلات والمشكلات والمصائب، أما الإسلام فهو دين الله الذي لا يؤثر فيه إحسان المسلمين ولا إساءة المسلمين، وهو إلى الزيادة ووعد الله عز وجل لنا بالنصرة وهو مقبل بلا شك ولا ريب إلا إن وجه الانخفاض والارتفاع يرجع إلى المسلمين وحسن قيامهم بما يراد منهم.
الأخ عمرو خالد أخ عزيز وبيننا مودة ومحبة إلا أن المنهج الذي ندعو به له جذور تمتد إلى ألف سنة ثابتة وماضية، وأبعاده للمتأمل لها جوانب يختص بها ويتميز بها كما أن للأخ عمرو خالد جوانب أيضا يتميز بها، كما أن لغيرنا من الدعاة الموجودين في خدمة الإسلام. والمناهج القائمة على رسوخ في الخدمة لا يصح أن نعبر عنها بأنها ظاهرة لأنالظاهرة كما أنها سرعان ما تظهر فهي سرعان ما تختفي، لكن المنهج الذي ندعو به إلى الله عز وجل منهج لم يتوقف عن التأثير في الواقع لمدة ألف سنة وإن كان في ماضيه لم تركز عليه الأضواء من قبل الإعلام ووسائله في العالم الإسلامي بسبب أن السابقين في هذا المنهج كانوا يبحثون عن المناطق التي تحتاج أكثر إلى الخدمة والدعوة إلى الله ويتركون المناطق التي فيها من يقوم بالخدمة والدعوة إلى الله، غير أنه في عصرنا اليوم تداخل العالم حتى صار كما يقولون كالقرية الواحدة، فصار من تحرك بصوته هنا له صدى هناك ومن تحرك بصوته هناك له صدى هنا فلفتت ألأنظار لمثل هذه الدعوة ومثل هذا الخطاب.
نستمد هذه القوة من شهودنا الضعف بين يدي الله عز وجل، فمن شهد ضعفه مع الله أمده الله بقوة من عنده. وإخلاص وصدق المشايخ الذين أخذنا عنهم نرى ثمرته وأثره في الدعوة التي نُحرَك فيها ونُسيَر فيها من قبل الحق عز وجل. وكثير من الثمرات والنتائج التي نراها على أرض الواقع ندرك بقوة ارتباطها بإخلاص مشايخنا وإلا فالإخلاص والصدق عندنا بحاجة إلى انتهاض.
الذي يظهر الآن من مستجدات العصر ابتدءا من (العلمنة) ووصولاً الى (العولمة) هي شئون أنتجتها وأثمرتها عوامل أهمها تخلف المسلمين عن أداء دورهم في هذا العالم، والعولمة بقدر ما فيها من الأضرار والأمراض فإنها بقدر أكثر وأكبر ستكون وسائل لخدمة هذا الدين إذا فقه القائمون على خدمة هذا الدين عظمة الدين الإسلامي وفقهوا حاجتهم وحاجة المجتمع المسلم وحاجة المجتمع الغير المسلم لما يوجه إليه هذا الدين ولما يخاطب به العالم.
هذا الأمر ربما يحسن الإجابة عنه غيرنا إلا أن القاعدة التي نطرحها هي أن جميع الأوساط بما فيهم أهل الفن وأهل السياسة وأهل المال هم محل الدعوة ولا يخرجون عن دائرتها، ونحن وإياهم محتاجون للتناصح فيما يقرب إلى الله عز وجل هذا أمر، والأمر الثاني هو أن الفن في ذاته ليس بمحرم وإنما يحرم ما يطرأ عليه من سوء الاستخدام الذي كثر في زماننا. ومن أهم نقاط سوء الاستخدام في مجال الوسط الفني وغيره من الأوساط تحول الوسائل إلى غايات فهو وسيلة إن أحسن استخدامها في خدمة غاية راقية صار وسيلة راقية وإن أسيء استخدامها لغاية سيئة أو لغير غاية فتحول هو إلى غاية أصبحت وسيلة سيئة فليس من دعوتنا لأهل مجال الفن أن يتركوا الفن ولكن دعوتنا أن يحسنوا اختيار الأدوار التي يؤدونها وأن يحسنوا توجيه زمام هذا الفرس الجامح الذي إن لم يجد فارساً يحسن الأخذ بلجامه أساء إلى الفارس والى نفسه وإلى من حواليه.
العارف بالله كلمة كبيرة قد تؤجر على حسن ظنك فيها، إلا أننا نحتاج إلى التروي في إطلاقها . كانوا ينقلون عن الحسن البصري أنه يقول ( الأحمق هو الذي يترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس ). إن صدقنا ظن من أحسن الظن فينا وتركنا يقيننا الذي نعلم به ما عندنا من القصور والتقصير نكون من الحمقاء، ولا نرضى أن نكون من الحمقاء، الشريعة أساس وقالب روحه الحقيقة، إذا صح للإنسان الأخذ بالشريعة نُفخت فيه روح الحقيقة وهي المقصود الذي من أجله جاءت الشريعة وهي –أي روح الحقيقة- طلب القرب من الله عز وجل وذوق حقائق الصلة بالله عز وجل، وكل ما ارتقى الإنسان بفقه الصلة بالحقيقة كلما ازداد تمسكه بالشريعة وكلما صح أخذه بالشريعة كلما ازداد نصيبه من الحقيقة فهما متلازمان لا ينفكان. يقول إمام دار الهجرة مالك رحمه الله: ( من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ،ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق ، ومن جمع بينهما فقد تحقق ).
ليس فقط الحركة وليس فقط الفكر بل التصوف بمعناه الشامل الذي يعني الحركة والفكر والذوق والهمة والمقصد، أسس فيه إذا اكتملت في الدعاة واكتملت في المجتمع أثمرت مجتمعا يقيم في الأمة مفاتيح للفرج الذي تنتظره، فالأزمة التي تواجه الأمة لما ذكرها الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم ربطها بأمرين ( يلقى في قلوبكم الوهن.. ثم فسره بحب الدنيا وكراهية الموت ) وهي أوصاف قلبية تحتاج إلى علم يعتني بإصلاح القلوب وهو علم التصوف الذي يحتاج مع العلم إلى حال، ويحتاج مع العلم والحال إلى منهج، ويحتاج مع العلم والحال والمنهج إلى همة، ويحتاج مع العلم والحال والمنهج والهمة إلى التوفيق من الله سبحانه وتعالى .
نعم. في الرحلة الأخيرة أُبلغنا من قبل السلطات المصرية بالاعتذار عن الدخول لمصر وأن الاسم مدرج في قائمة الممنوعين، وأثناء وجودي في الإمارات هوتفت بالمساء وأُخبرت أن المسألة فيها شيء من اللبس مع الاعتذار والسماح بالدخول، فرجعت ودخلت إلى مصر والحمد لله رب العالمين.