نحن ذوي الاحتياجات الخاصة ونحن المعاقين أكثر منهم .. نظرة مختلفة لمن نسميهم بذوي الاحتياجات الخاصة
الحمد لله..
يظهر الحديث عن ذوى الاحتياجات الخاصة «المعاقين» من وقت لآخر، غير أن الذى نحتاج إليه هو تصحيح نظرتنا إليهم أولاً لبناء مفهوم التعامل معهم على نحو يليق بهم.
فالقضية لا تتعلق بمجرد العمل على توفير الأعمال التى تُدر الدخل المناسب لهم، وتيسير الممرات فى الشوارع والمبانى، وعمل الدورات التأهيلية، والرقى بمستوى العلاج فحسب..
فمن نسميهم بذوى الاحتياجات الخاصة أو المعوقين هم أفراد ابتلوا بفقدٍ عضوى، ولكنهم مكتملو الإنسانية، بل إن الله قد عوضهم بما فقدوا فيضاً فى إنسانيتهم يفوق ما نلاحظه فيهم من التفوق العضوى المقابل لما فقدوه «كالسمع المرهف لدى البصير»..
والعاطفة الإنسانية الجيّاشة فى مشاعرهم هى ثروة عظيمة تفوق حاجتنا إليها كلَّ ما يُتحدث عنه من حاجتنا المستقبلية إلى المياه والغذاء، لأن جفاف الشعور الإنسانى الصادق أصبح واقعاً مريراً نعيشه ونجنى حصاده المؤلم، من قسوة فى القلوب تظهر آثارها فى يوميات كل من الأسرة والمجتمع والاقتصاد والسياسة والإعلام بل وفى المسجد!
والاحتياطى المتوافر لدى هؤلاء من هذه الثروة غنى بحيث يكفى لحاجة أهل كل بلد، فهناك تناسب مطّرد بين نسبة هذه الشريحة العظيمة ونسبة الإعاقة الإنسانية فى كل مجتمع، وسبحان القائل: {نَحْنُ قَسَمْنا بيْنَهم مَعِيْشَتَهُم}..
ومن هذا المشهد ندرك أننا أصحاب الاحتياجات الخاصة إلى إحياء إنسانيتنا، الذى أودع الله إكسيره وجرعة انبعاثه فى قلوب من نسميهم أصحاب الاحتياجات الخاصة..
ولكن قصورنا عن الارتقاء إلى هذا المستوى من تقدير أهميتهم فى حياتنا قد أعاقنا عن تفعيل هذا المعنى، وبذلك أصبحنا «معوّقين» عن التعامل مع من نسميهم بالمعوقين..
ولتجاوز هذه الإعاقة والحصول على هذه الاحتياجات الخاصّة، ينبغى أن نتعامل معهم عبر هذه النظرة على نحو يتجاوز المفهوم المشوَّه والمشوِّه للعطف والشفقة والصدقة، حتى غدت هذه الألفاظ الراقية جارحة للمشاعر وتصل، على غير دلالتها الأصلية، مُهينة للكرامة منفّرة للنفوس المكلومة، بالرغم من أن الأصل فى وجودها هو تطبيب جراح النفوس والأخذ بالأيدى لنا ولهم..
لذا فعلينا أن ندرك أننا من نحتاج إلى التعامل معهم من منطلق أنهم أسوياء إنسانياً، وأن لديهم ما يمكن أن يقدموه إلى المجتمع فى شتى المجالات العملية إذا ما أُتيحت لهم فرصة التدريب والتأهيل والتمكين من الوظائف..
وهنا نجد أن الحبيب (صلى الله عليه وآله وسلم) قد رسم لنا منهجاً عملياً فى التعامل مع هذه الشريحة المعطاء فى هديه الشريف؛ فهذا عبدالله ابن أم مكتوم يصبح مؤذناً للنبى بالرغم من فقد بصره، بل ويعتمد النبى أذانه للفجر دون أذان بلال، فيقول عن الإمساك فى الصيام: «إن بلالاً يؤذِّنُ بليلٍ، فكلوا واشربوا حتى ينادى ابن أمِّ مكتوم».
وها هو يستخلفه على إمارة المدينة ثلاث عشرة مرة عند سفره (صلى الله عليه وآله وسلم) منها!
بل لقد تعامل معه من منطلق أنه مكتمل الآدمية والكفاءة حتى أنه أذِن له بأن يحمل لواءً لجيش المسلمين فى بعض المعارك، الأمر الذى جعله يُصرُّ على حمل اللواء فى معركة القادسية فى خلافة عمر طلباً للشهادة فى سبيل الله.
هذا المنطلق من احترام حق ذوى الاحتياجات الخاصة «المعوقين» فى أن يُعطَوا فرصتهم لخوض تحديات الحياة، هو ما نحتاج إليه اليوم كى نكتشف حقيقة أنهم ذوو «العطاءات» الخاصة.
وعندما نتأمل منطلق الترغيب فى خدمتهم وما يترتب عليه من الثواب، ندرك أننا نحن من نحتاج إليهم أكثر من حاجتهم إلينا..
فالثواب الأخروى هنا يعالج أنانيتنا من خلال السمو بمفهوم المصلحة عن النظرة الضيقة المقتصرة على الرغبات الدنيوية العاجلة إلى طلب نيل رضوان الله تعالى فى الآخرة..
فيتخلص المؤمن من استعباد هوى نفسه له ليرقى إلى ملامسة حقيقة أنه عبد للواحد الأحد، فيسعى إلى التحرر من عبوديته لنفسه وأطماعها وشهواتها، ويتعامل مع ما يحيط به على أساس طلب رضوان الواحد الأحد، وليس طلباً لرضا نفسه عنه، سواء كان رضاها متعلقاً بالجمع أو المنع أو الشهوة أو الشهرة، أو حتى ما نسميه اليوم «السلام النفسى»، وإن كان هذا الأخير أرقى مما قبله، غير أنه لا يزال خاضعاً لتقلبات النفس وهى كثيرة..
وإنّ ربط التعاملات بحقيقة الصلة بالله تعالى يجعلها تتصل بالثابت غير المتناهى، فيفتح أمام النفس أبواب تحدى الارتقاء اللامتناهى..
هذا المعنى العظيم مرتبط بالتعامل مع هذه الشريحة، فعندما نرتقى بالتعامل معهم على أساس أنه جزء من عبادتنا لله، ندرك أننا أصحاب الحاجة إليهم، فنصحح نظرتنا إليهم، ونحترم كرامتهم، ونُجلّ قدرهم، ويظهر ذلك فى تصرفاتنا، فتعود مصطلحات الرأفة والشفقة والإحسان إلى مكانها الصحيح بأنها أجزاء أساسية من إنسانيتنا لا نكون آدميين دونها، وليست جسوراً لإرضاء غرورنا أو وسائل لتنميق صورنا الاجتماعية..
نعم نحن أصحاب «الاحتياجات» الخاصة إلى هذه الشريحة من أصحاب «العطاءات» الخاصة، فهل ننتبه إلى هذه الحقيقة فننتهض إلى حسن التعامل معهم، ونحترم هذه النعمة العظيمة التى أوجدها الله لإنقاذ ما أتلفته أهواء نفوسنا من إنسانيتنا؟
اللهم يا من وفَّق أهل الخير للخير وأعانهم عليه، وفقنا للخير وأعنا عليه.