الحمد لله..
إخوتى قادة العمل «الإسلامى» السياسى فى مختلف الدول:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
قبل الشروع فى المقصود أُشهد الله على محبتكم والإشفاق عليكم من ساعة الوقوف بين يدى حكمٍ عدلٍ لا تخفى عليه خافية، فإن صدقتُ فى ذلك فهو ولىّ الصادقين، وإن كانت نفسى الأمّارة بالسوء قد لبّست علىّ الأمر فأسأله أن يُرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يُرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه.
فاقبلوا من أخيكم الصغير هذه الكلمات التى سطّرها فى المدينة المنورة ليخاطب بها من قلوبكم أوعية القرآن، ومن أعماركم ليالى قضيتموها فى تلاوته سُجّداً ورُكّعاً، وفى طلب نُصرته مسجونين ومضطهدين ومشردين.
وتحمّلوا إخوتى ثِقَل صراحتها فإن ما تشهده الأعين وتسمعه الآذان وتفقهه القلوب والعقول من تتابع الأحداث، مؤذِنٌ بخَطبٍ جلل ينزل بهذه الأمة فيصيب إيمان شبابها وثوابت ثقتهم فى دينهم، وأخشى عليكم أن تكونوا من أسبابه:
- إخوتى.. نهاكم النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) عن طلب الإمارة، بقوله فيما رواه البخارى ومسلم: «لا تسأل الإمارة، فإنّك إن أوتيتها عن مسألة وُكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أُعنت عليها».. فطلبتموها بل سعيتم إليها ونافستم عليها.
- وحذّركم من الحرص على الإمارة وأنذركم بأن أوّلها مَغنم وآخرها مَغرم، بقوله فيما رواه البخارى: «إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنِعْم المرضعة وبِئْست الفاطمة».. فبذلتم لها الغالى والنفيس من الفكر والجهد والوقت والمال، بل من دماء شبابكم وغيرهم من شباب الأمة، متوهمين أنها السبيل إلى تحكيم شرع الله والتحقق بالاستخلاف والتمكين.. بينما جاء سياق الوعد صريحاً فى «تكليفنا» بالإيمان والعمل الصالح، و«تكفّل» الله لنا بالاستخلاف والتمكين، وذلك فى قوله تعالى: {وعدَ اللهُ الَّذينَ آمنوا مِنكم وعملوا الصالحاتِ لَيستخلفنّهم فى الأرضِ كما استخلفَ الذينَ من قبلهم وليُمكننّ لهم دينَهم الذى ارتضى لهم وليُبدلنّهم من بعدِ خوفهم أمنًا يعبدوننى لا يشركونَ بى شيئًا ومن كفرَ بعد ذلكَ فأولئكَ هم الفاسِقُون}.
فتأملوا نسبة الإيمان والعمل الصالح إلينا ونسبة الاستخلاف والتمكين إليه، بل تأملوا ارتباط التمكين فى الآية الكريمة بالدين وليس بالحكم، لتدركوا مكمن القوة فيه ويتضح لكم كيف استمر انتشاره واتساعه قروناً بالرغم من سقوط الخلافة «الراشدة» بعد ثلاثين سنة من وفاة النبى وتحولها إلى الُملك العضوض كما وصفه فى الحديث.
- إخوتى.. لقد أقسم النبى بالله (تعالى) أن شريعته تقتضى ألا يُعطى الإمارة من سألها، وذلك فيما رواه مسلم من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّا والله لا نولّى هذا العمل أحداً سأله، ولا أحداً حرص عليه».. فرددتم مستشهدين بقول سيدنا يوسف للمَلكِ: {اجْعَلْنى على خَزائِنِ الأَرْضِ}، غافلين عن كون الملك هو من استدعاه قائلاً: {ائْتُونِى بِهِ أسْتَخلِصْه لنفسى فلمّا كَلَّمَه قال إنّك اليوم لدينا مكينٌ أمين}، ولعلكم نسيتم أيضاً أن يوسف (عليه السلام) نبىٌّ معصوم من أهواء النفوس وأطماعها التى حذّرنا منها النبى (صلى الله عليه وآله وسلّم).
وإن كان هناك من ملوك زماننا أو دُوَله مَن قد استخلصكم لنفسه وعمل على تمكينكم أو وعدكم بذلك، فانظروا فى قلوبكم بعد الأشهر القليلة التى مضت عليكم فى هذا المخاض نظرة متفحِّص ناقد، وتفقّدوها هل عُصمَتْ بما عصم الله به نبيه يوسف أو أنها فُتنت بما حذّرنا منه خاتم النبيين؟
نعم إخوتى.. أناشدكم الله أن يخلو كلٌ منكم بربّه فى ساعة محاسبة قدسية صادقة ومساءلة جادّة للنفوس الأمّارة:
كم مرة وجدتم أنفسكم تكذبون فبرّرَت لكم أنفسكم الكذب بأنه ضرورة والضرورات تبيح المحظورات، دون مراعاة للضابط الشرعى للضرورة ومشروعية التوسّع فيها؟
وكم مرة وعدتم فوجدتم أنفسكم تخلفون وعودكم، وبرّرت لكم أنفسكم ذلك بأن درء المفاسد مقدَّم على جلب المنافع، دون تحقق من صحة الاستشهاد وتعارضه مع المفسدة الأخلاقية للخُلف ونتائجه؟
وكم مرة عاهدتم فيها غيركم فوجدتم أنفسكم تنكثون، وبرّرت لكم أنفسكم ذلك بأن الحرب خدعة، دون التزام بمصطلح الحرب فى الشريعة ولا بتحريمها نقض العهود ولو كانت مع الكافر الحربى؟
وكم من برىء اتهمتم وأنتم تعلمون براءته؟ وكم من صادق كذّبتم وأنتم تعلمون صدقه؟.. وأما هذه فقد عجزتُ عن الوصول إلى الأساس الذى اعتمدت عليه أنفسكم فى تبريرها.
إخوتى.. وكم من كُفء عن المناصب أقصيتم وضعيفٍ من أتباعكم ولّيتم، ومعياركم فى ذلك هو مدى الانتماء إليكم والولاء لكم؟
فهل لبّست عليكم أنفسكم أمر الولاء لكم بالولاء للدين؟
وهل كان إيمان سيدنا أبى ذر (رضى الله عنه) ضعيفاً أو كان ولاؤه للنبى مشكوكاً فيه حين رفض النبى أن يُعطيه إمارة سألها، قائلاً له: «يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزى وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذى عليه فيها»؟
أوَلا تخشون إخوتى الوعيد الشديد فيما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «أيما رجل استعمل رجلاً على عشرة أنفس، علم أن فى العشرة أفضل ممن استعمل، فقد غش الله ورسوله وغش جماعة المسلمين».
إخوتى.. وكم من دمٍ معصومٍ مُعظّم الحرمة عند الله من شبابكم وشباب مخالفيكم تسببتم فى سفكه بغير مُسوّغ سوى أن أنفسكم تُمنيكم أن هذا فى سبيل الله، والله يعلم أن طلب التمكين من الإمارة ليس مما يُعد القتال فيه جهاداً فى سبيل الله؟ وكيف يُعد جهاداً فى سبيل الله وهو مخالفة صريحة لهدى النبى؟
وآه ثم أواه إخوتى.. فكم من شاب فُتن فى دينه بسبب توهمه أن ما تقولونه وتفعلونه هو الإسلام بعد أن استشهدتم على ذلك بآيات من كتاب الله وكلام حبيبه ومصطفاه بغير وجهٍ معتبَر، فلم يستسغ عقله ولم يقبل قلبه أن يبقى على دين يُبرر الكذب والخُلف والغدر والقتل!
أما تخشون إخوتى أن يتحقق فيكم الوعيد الشديد الوارد فى قوله (تعالى): {إنَّ الذين فَتَنُوا المؤمنينَ والمؤمناتِ ثم لمْ يتوبوا فلهم عذابُ جهنّمَ ولهم عذابُ الحريق}؟
أما ترتعد فرائصكم وتجفل قلوبكم من التفكير فى احتمال أن تكونوا من الذين يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً؟
وما الذى يعصمنا من الوقوع فى ذلك؟ أوَلم يكن أُولئك القوم أهل دين مثلنا ثم غلبت عليهم أطماع نفوسهم فى السلطة والمال فحرفّوا الكلم عن مواضعه؟
وأخيراً..
أُذكّركم إخوتى بقول سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ما من رجل يلى أمر عشرة فما فوق ذلك، إلا أتى اللهَ مغلولة يده إلى عنقه فكّهُ بِرّهُ، أو أوثقه إثمُهُ». حديث صحيح رواه أحمد.
وبقوله، نفسى له الفداء: «ألا أُخبركم بخيار أمرائكم وشرارهم؟ خيارهم الذين تُحبّونهم ويُحبّونكم وتَدْعون لهم ويَدْعون لكم، وشرار أُمرائكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم». رواه أحمد ومسلم والترمذى واللفظ له.
أسأل الله أن لا يحجب عن قلوبكم نقصُ الصدق عندي نورَ الحقيقة المودعة في هذه النصوص الشريفة .. وأُعيذكم بالله من أن تكونوا من المُستدرَجين.. وأسأله أن لا يَكِلكم إلى أنفسكم طرفة عين فتخدعكم بالمسارعة إلى التذرّع بأن الآخرين أيضاً فعلوا وفعلوا، أو بالمبادرة إلى رفض ما في هذه السطور والتحوّل عنه إلى استعراض عيوب كاتبها ونقائصه، وهي والله جِد كثيرة..
بل أسأله بنور وجهه الذي أشرقت له الظلمات أن يُبصّركم بحقيقة أن إساءة غيركم لا تصلح أن تكون عذراً لإساءتكم حين يسألكم الله عنها يوم يقف كل منّا بين يديه فقيراً ذليلاً عارياً..
فإنّ وبال إساءة غيرنا عائد عليه..
وإن سؤال الله لمن وقّعوا على أقوالهم وأفعالهم باسمه تعالى أشد وأعظم..
{ يا أيُّها الذينَ آمَنوا كُونوا قَوّامينَ بالقِسطِ شُهداءَ للهِ ولوْ على أنفُسِكُم أو الوالدَينِ والأقرَبِينَ إن يكُنْ غنيّا أو فقيرًا فاللهُ أوْلى بِهما فلا تتَّبعوا الهوى أن تَعدِلوا وإنْ تَلوُوا أو تُعرِضُوا فإنَّ اللهَ كانَ بما تعملون خبيرا }
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكّها أنت خير من زكّاها .. وأيقظنا من الغفلة قبل فوات المُهلة .. واجعلنا من المتحابين فيك المجتمعين تحت ظل عرشك .. يا رؤوفا بالعباد.