عاطف حسانين : تحية إليك أيها الشيخ الشجاع!

مقال بقلم عاطف حسانين – جريدة اليوم السابع المصرية

لم أر موقفا يتسم بالشجاعة والمروءة والفضل من رجل مسئول فى مصر، منذ شهور عديدة، بقدر ما فعل الشيخ على جمعة مفتى الديار المصرية بزيارته للقدس الأسير. ذهب الرجل ضاربا بكل المزايدين والمقامرين والمتكلمين باسم الدين عبثا وتجارة عرض الحائط، ليقف مفتى مصر فوق المنبر، ويصلى إماما للحضور صلاة الظهر، فكأنما مصر كلها ذهبت وزارت وصلت في ثاني القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

وستبدأ المعركة.. ويبدأ الهجوم على فضيلة المفتي د. على جمعة لأنه صلى في القدس، وسيزعمون أنه دخلها بتأشيرة إسرائيلية، وليس بإشراف من الديوان الملكي الأردني، مع العلم أن أهل غزة أنفسهم يدخلون القدس بتصريح إسرائيلي، ومع ذلك لم يمنعهم هذا من زيارته!! تحطيم كل الرموز الطيبة صارت شهوة، وكأننا نُصِر على أن تكون مصر بعد الثورة، بلداً بلا قِيَم.
العجيب في مشايخ مصر وقادتها الذين اجتمعوا اليوم على مهاجمة الشيخ وسبه والمطالبة بمحاكمته، هم أنفسهم الذين تفرقت بهم سبل المصالح المتضاربة والتنازع على الكراسي الزائلة البائدة الضائعة، ولم ينسوا أنفسهم قليلا وينحوا مصالحهم جانبا ليجتمعوا على حب الوطن.. ثم قاموا اليوم بسيوفهم ليوهمونا باجتماعهم على كراهية موقف المفتي.. أليس عجيبا أن الذى صار يجمعنا هو الكراهية؟؟ أي جمع هذا!. فليجبنني أحد بالله عليكم، يا من لا تزورون القدس بحجة التطبيع.. وأنها تحت سيطرة المحتل الغاصب.

لو أن لك أخا مريضا في بيته، وهذا البيت احتله سارق، وكنت غير قادر على هزيمة الرجل لتعيد لأخيك حقه، أكنت ستقول لن أزور أخى إلا عندما أستطيع أن أدخل إليه وأُخرج السارق كي لا يظن السارق أنى قبلت بوجوده؟!! مالكم كيف تحكمون؟.

ألم يذهب النبي صلى الله عليه وسلم لحج البيت في العام السادس الهجري، ألم يكن البيت حينها مليئاً بالأصنام في كل أركانه! ومحاطا وأسيرا تحت يدى كفار قريش الذين هجّروا المسلمين من ديارهم وسلبوهم أموالهم؟!. هل اشترط النبي ألا يدخل مكة ويحج البيت إلا غازياً منتصراً عائداً لدياره؟. هل منعه المغتصب لديار وأموال المسلمين من حج البيت؟.
أجيبوني بالله عليكم..

لا تزايدوا على الرجل ولا تقولوا لقد ضرب إجماع الأمة في مقتل.. فعن أي أمَّة تتحدثون؟ الأمة المصرية التي تنازع كل أطرافها المتصدرون للمشهد السياسي والقيادي والإعلامي على نصيبهم من ميراثها وهى في غرفة الإنعاش!

إنني سمعت أحد العلماء يتهم فضيلة المفتي بالخيانة ويطالب بمحاكمته، وأقول له كفاكم مزايدات يا مشايخ الثورة الذين نافقتم الثوار، وغرّتكم الكثرة.. فالخلاف بين عالم وعالم آخر فرصة لتُعلِموا العامة مثلى أدب الخلاف وسماع وجهة النظر قبل الحكم.. أما ما ذهب إليه هذا الشيخ الثوري المغضوب عليه الآن من الثوار، فبعيد تماماً عن روح الدين وأدب اختلاف العلماء.

وأما عن موقف البابا شنودة، ذلك الرجل الوطني الذى أقدره وأحترمه، فكلنا بعلم موقفه من السادات وموقف السادات منه، ولا أرى موقفه من عدم زيارة القدس إلا موقفاً وطنياً رائعاً لا يخلو من شِق سياسي! فكفاكم مزايدات وكفاكم تخوينا لكل من تختلفون معه.

واليوم وبمناسبة أن زيارة المفتي للقدس المسروق، في زمن الثورة المسروقة.. فأختتم مقالي هذا الذى سيغضب الكثيرين، بأنه يوماً ما سوف يذكر التاريخ أن الـ 20 مليون مصري الذين قاموا بالثورة وباتوا في العراء وقدموا الشهداء، قد سرقها منهم، شباب الائتلافات، والمجلس العسكري، وجماعة الإخوان والأحزاب السياسية الفاشلة، والجماعات السلفية التي كانت تحرم الخروج على الحاكم! والإعلاميون الذين ارتفعت رواتبهم من بضعة آلاف لملايين.. ثم تنازعوا على الغنائم، ولم يلتفت لمصلحة هذا الشعب أحد، ثم عاتبوا فضيلة المفتي لأنه زار القدس ليساعد على فك أسره ولو معنويا. وبعد كل هذا تتساءلون عمّن سرق الثورة؟! يا عزيزي كلكم لصوص.

وأكاد أشعر أن لسان حال فضيلة المفتي بعد زيارته للقدس والصلاة فيه يقول: “الآن أستطيع أن أرحل عن مناصبكم التي تسحقون بعضكم لأجلها، وعن دنياكم التي تتكالبون عليها.. وألقى ربى وأنا مرتاح الضمير مطمئن الفؤاد..”، أشعر وكأنها زيارة الوداع. طيَّب الله ما بقى لك في دنيانا أيها الرجل الجسور والشيخ الشجاع.