مقال للمفكر الفقيه عبدالله فدعق
تفاوتت ردود الأفعال حول الزيارات التي قام بها مؤخراً الداعية الإسلامي الحبيب علي الجفري، وبعده فضيلة مفتي مصر الدكتور علي جمعة لبيت المقدس، المعارضون اعتمدوا على أن الزيارات تحول قضية فلسطين من قضية شعب يقتل ويهجَّر، إلى قضية آثار ومساجد، وأنها تجعل حماية الحجر مقدمة على حماية البشر، وتحول المحتل إلى مالك، وأنها لن تساهم في وقف التهويد، وهذا تطبيق عملي للتطبيع..
أما المؤيدون فلهم في ذلك أدلتهم الدينية؛ وفي مقدمتها حديث شد الرحال لزيارة المسجد الأقصى، وهو حديث صحيح ثابت غير منسوخ، ويضيفون أن الاحتلال ليس طارئاً، فاحتلال الروم للقدس دام ما بين عاميْ 492 و583هـ، ولم يرد عن فقهاء ذلك الوقت منع زيارة البلاد المحتلة، بل ثبت أن الإمام الغزالي بعدما حج عام 488هـ مكث في دمشق إلى عام 498هـ، ثم توجه إلى القدس، التي احتلت عام 495هـ، كما زار الإمام أبو المظفر السمعاني وأبو المظفر الفلكي القدس وهي بأيدي الفرنج كما ذكرت ذلك المراجع التاريخية كطبقات الفقهاء، وطبقات الشافعية، وشذرات الذهب، وسير أعلام النبلاء وغيرها..
المعارضون والمؤيدون المعاصرون استندوا إلى آراء معاصرة، ومع الاحترام لمن صدرت منهم، وحسن الظن بهم، فإن المراجع يعجب من الرأي الذي يقول إن الزيارة حلالٌ على عامة المسلمين، حرامٌ على العرب فقط. ويرد المؤيدون بأن المنع بأي شكل ضر ويضر بالمصالح الفلسطينية، ويقدم خدمةً مجانية للاحتلال الإسرائيلي الذي لا يرحب بقدوم العرب والمسلمين لزيارة بيت المقدس.. وفي خضم هذه الآراء يظهر للكل رأيٌ مميز ذكره صاحب الفضيلة والمعالي الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس رابطة العالم الإسلامي قبل أقل من شهرين؛ حيث “أكد دعمه وتأييده لزيارة العرب والمسلمين لمدينة القدس، باعتبار ذلك أمراً دينياً خالصاً تؤكده الأدلة الشرعية، معتبراً أن هذه الزيارة تمثل إلى جانب ذلك دعماً وإسناداً للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي الذي يعمل على عزل المدينة المقدسة عن محيطها العربي والإسلامي، ويحارب أي وجود عربي أو إسلامي يمكن أن يدعم الحق الفلسطيني والعربي والإسلامي في القدس، ويضع العراقيل أمام وصول الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين إلى مقدسات المدينة، ويمنع حرية العبادة التي كفلتها جميع الشرائع والمواثيق والقوانين الإنسانية والدولية.. واعتبر أن زيارة المسلمين للقدس حتى وهي تحت الاحتلال أفضل من تركها لتواجه مصيرها الذي تخطط له إسرائيل، مستذكراً في تأصيل هذا الموقف زيارته صلى الله عليه وسلم للمسجد الحرام بعد صلح الحديبية وهو تحت حكم المشركين، والأصنام تنتشر بالعشرات داخل الكعبة المشرفة وحولها، دون أن يمنع ذلك من زيارته صلى الله عليه وسلم لمكة بموافقة كفار قريش..”.
الجدل حول الزيارتين كبير؛ ومنشأ ذلك النظرة السياسية، والنظرة الشرعية؛ النظرة السياسية لها أساطينها، والنظرة الدينية ذكرتُ بعضها.. مؤكداً على الاتفاق حول أن التطبيع مع العدو جريمة؛ والكل ضده، وأن الزيارة لا تشكل تطبيعاً. ومؤكداً كذلك على الاتفاق حول التأكيد على هوية زهرة المدائن، ومدينة السلام، وأنها أرض مقدسة إسلامية وقعت تحت براثن العدو الصهيوني الذي يسعى لتهويدها وإلغاء صبغتها الإسلامية، والاختلاف في التعبير عن هذه الأهمية، مطالباً العلماء بمناقشة أمر الزيارة في جو بعيد عن التخوين والإدانة اللذين لا ينتج عنهما إلا تفتيت الأمة وتمزيق كيانها.